التمر السعودي على المائدة الصينية
قبل اكتشاف النفط في بلادنا كانت المنتجات الزراعية البسيطة -خاصة في المنطقة الوسطى- هي محور الاقتصاد لأهالي المدن والقرى، وكان المزارع الغني في وسط السعودية هو الذي يملك (أحواض) القمح و(جصة التمر)، وهو الموظف الأول للعمالة المحلية، وهو المقرض للمحتاجين من محصول التمر والقمح.
ولم يكن هناك "رجال أعمال" وبالذات في الأرياف، وإنما يوجد فقط وسطاء ودلالين لبيع المحصولات الزراعية وخاصة الصنفين الرئيسيين التمر والقمح كما أشرت من قبل.. ومع اكتشاف النفط في بلادنا تنوعت النشاطات الاقتصادية لتشمل الصناعة والخدمات والتجارة وأثر ذلك في الزراعة، فلم يعد أبناء المزارعين يرغبون في الاستمرار في التمسك بمزارع آبائهم، وساعد على ذلك شح المياه في معظم مناطق السعودية.
ومع زيادة عدد السكان بشكل ملحوظ لم تعد المحاصيل الزراعية المحلية كافية، ما رفع نسبة استيراد هذه المحاصيل، في ظل رؤية 2030 التي تضع من أهم برامجها تعزيز المحتوى المحلي وزيادة نسب الاكتفاء الذاتي للسلع المهمة، وذلك من خلال خلق التوازن في جميع القطاعات والعمل على تحفيز القطاعات التي توفر إنتاجًا جيدًا ومطلوبًا في السوق المحلية والإقليمية والعالمية ومنها قطاع الزراعة.
وعملت وزارة البيئة والمياه والزراعة بقيادة وزيرها صاحب التجربة الناجحة في الاقتصادات الزراعية والإنتاجية المتنوعة المهندس عبدالرحمن الفضلي على الاهتمام أولاً بمصادر المياه وحماية البيئة واعتماد وسائل الاستمطار، وكذلك الحد من هدر المياه باعتماد أساليب الري الحديثة، وبعد تحقيق هذا الهدف المهم ركزت الوزارة على التواصل مع دول العالم الغربية والشرقية لتبادل الصادرات الزراعية معها وفق إستراتيجية تقوم على مبدأ الأخذ والعطاء وتبادل الخبرات والتقنيات، إضافة إلى استعراض الفرص الاستثمارية وتنفيذًا لذلك شهد المنتدى السعودي الصيني الذي عقد أخيرًا في العاصمة الصينية (بكين) توقيع (57) اتفاقية ومذكرة تفاهم بين (36) جهة وشركة سعودية وصينية بإجمالي استثمارات تزيد على (14 مليار ريال).
ومن هذه الاتفاقيات ما يتعلق بتصدير منتجات زراعية سعودية إلى الصين. وقد أوضح وزير البيئة والمياه والزراعة في كلمة افتتاح المنتدى أن حجم التبادل التجاري بين السعودية والصين بلغ أكثر من (107 مليارات دولار) ما يبرز متانة التبادل التجاري بين البلدين وأهميتها الاقتصادية. وقال: إن السوق الصينية تعتبر من أهم الأسواق التي حرصت السعودية على بناء شراكات فيها، حيث شملت الصادرات الآن أكثر من (20) منتجًا غذائيًا سعوديًا تدخل الأسواق الصينية.
ومن ضمن الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين إضافة إلى البيئة والمياه والزراعة، قطاع الثروة السمكية والحيوانية، وكذلك تطوير مدينة ذكية للأمن الغذائي تضم مصانع ومعامل مع العمل المشترك لإنشاء مدينة للصناعات الأساسية والتحويلية في منطقة جازان.
وأخيرًا: من أهم نتائج المنتدى تعزيز تصدير المنتجات السعودية الزراعية للسوق الصينية وخصوصًا التمور والخضار والفواكه، ما يعني أن التمر السعودي سيوجد على المائدة الصينية، وإذا واكبت هذه الاتفاقيات حملات تعريفية وتسويقية، سيقبل عليه الصينيون، وهم الأعلى عالمياً في الكثافة البشرية، وذلك يفتح آفاقاً هائلة في حال تم إدخال التمر للمطبخ الصيني (المطور) الذي يحظى بحضور عالمي، وهذه الجهود التسويقية للتمور التي لمسنا بعضها لا يزال يعول عليها كثير لدخول هذا المنتج السعودي اللذيذ طعماً الغني غذائياً إلى الأسواق العالمية.