تعامل هيئة السياحة مع القضايا الأساسية .. ليس بالكلام العابر

أتفق مع الزميل الكاتب خالد السهيل في وصفه في عموده (كلام عابر) في عدد «الاقتصادية» 5745، أن الأفكار والتصورات، التي يطلقها الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الرامية إلى الارتقاء بأداء قطاع السياحة في بلادنا، ليست مجرد كلام عابر، لكونها أقوالا تقترن بالأفعال.
هذا الواقع لمسته شخصيا في حديث سموه في وقت سابق، لعدد من كتاب «الاقتصادية» ومسؤوليها بحضور رئيس التحرير، عن العمل المؤسسي والجهود الكبيرة، التي بذلتها الهيئة خلال السنوات الماضية، منذ إنشائها عام 2000، بهدف الارتقاء بأداء قطاع السياحة في بلادنا، رغم الصعوبات والمعوقات العديدة التي واجهت العاملين في الهيئة منذ انطلاقتها، التي أتت في مقدمتها وعلى رأسها، عدم وجود بنية تنظيمية وتشريعية وهيكلة مؤسساتية للقطاع، إضافة إلى عدم وجود استراتيجيات وخطط تنمية سياحية واضحة للمناطق، ما أدى إلى الارتجالية وعدم الاحترافية في تقديم الخدمات السياحية.
مهمة تنظيم قطاع السياحة في بلادنا التي تولاها الأمير سلطان بن سلمان رغم صعوبتها ووعورة مساراتها وتشعب تداخلاتها، إلا أن سموه استطاع ببراعة وبجدارة وبتفوق أن يتعامل معها من منطلق منهجية علمية مدروسة، استندت إلى وجود استراتيجية وطنية تحاكي بواقعية القضايا الأساسية، التي ترتبط بقطاع السياحة، بهدف تحويله من مجرد قطاع اقتصادي إلى صناعة منتجة وداعمة لنمو الاقتصاد السعودي وازدهاره.
ندرة الكفاءات الوطنية المتخصصة في مجال العمل السياحي كان من بين أبرز القضايا الأساسية والتحديات التي واجهت عمل الهيئة العامة للسياحة والآثار منذ انطلاقتها، ما دفع بها للتعاقد مع مجموعة من الاستشاريين والخبراء المتخصصين، بما في ذلك الاستعانة بخبرات منظمة السياحة العالمية والبنك الدولي للمساعدة على إعداد مشروع لتنمية السياحة الوطنية وتشجيع الجامعات الوطنية والقطاع الخاص، على إنشاء أقسام وكليات جديدة للعلوم السياحية والفندقية، بما في ذلك تدعيم التدريب والابتعاث في مختلف التخصصات والمهارات التي تحتاج إليها الهيئة. ترجمة هذه الجهود المرتبطة ببناء الإنسان السعودي المؤهل علميا وعمليا لإدارة دفة السياحة في بلادنا رأيتها حقيقة تتجسد على أرض الواقع من خلال زيارتي برفقة زملائي كتاب «الاقتصادية» للهيئة، حيث لمست البناء والتوطين الوظيفي السياحي الفريد من نوعه، ولا سيما حين النظر إلى عمر الهيئة الزمني القصير جدا قياساً بعمر الزمن، فقد سررت بلقائي فريق العمل الذي يعمل بروح الفريق الواحد في جو وببيئة عمل مفعمة بالحماس والنشاط والحيوية عالية الكفاءة والإنتاجية.
من بين القضايا الأساسية أيضاً التي تمكنت الهيئة من التعامل معها بجدارة واقتدار، بناء علاقات مؤسساتية فيما بينها وبين عدد كبير من القطاعات والأنشطة الاقتصادية والخدمية الأخرى ذات العلاقة، بهدف توحيد لغة صناعة السياحة في بلادنا، الأمر الذي تتطلب التوقيع على مذكرات تفاهم مع عدد من الجهات الحكومية، بما في ذلك تصميم أطر شراكة فاعلة مع تلك الجهات، يهدف إلى تحديد المسؤوليات وتوزيع الأدوار، بما في ذلك توزيع الموارد، بالشكل الذي يمنع حدوث التداخل في الصلاحيات أو حدوث ازدواجية وتضارب في تنفيذ المهام. إن التوقيع على تلك الاتفاقيات كفل للهيئة وللأجهزة الحكومية ذات العلاقة بقطاع السياحة التحدث بلغة سياحية واحدة، تعمل في نهاية المطاف على ترجمة الرسالة والأهداف التي أنشئت من أجلها الهيئة إلى واقع عملي يلمسه الجميع.
رغم الجهود الكبيرة، التي قامت بها الهيئة، كما أسلفت, منذ تأسيسها في التعامل مع القضايا الأساسية المرتبطة بتنظيم قطاع السياحة في بلادنا، وتحويلها إلى صناعة منتجة وداعمة للاقتصاد السعودي، إلا أنه لا تزال هناك عديد من القضايا الأساسية التي تحتاج إلى تركيز الهيئة خلال المرحلة المقبلة، والتي ربما لا يتسع المجال في هذا المقام لذكر جميعها، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر:
(1) غرس وتعزيز مفاهيم السياحة المحلية لدى أفراد المجتمع، ولا سيما أن أغلب شرائح المجتمع لا تتوافر لديهم المعرفة التامة والدراية الكاملة بأهمية السياحة المحلية، بما في ذلك بالإمكانات والفرص التي توفرها السياحة الداخلية، كما أن هناك عديدا من المفاهيم والمورثات الاجتماعية الخاطئة عن السياحة المحلية، التي هي في حاجة ماسة إلى التغيير والتصحيح، التي من بينها على سبيل المثال، أن السياحة دعوة صريحة للانحلال من العادات والتقاليد ولفساد الأخلاق وإلى فقدان الخصوصية والهوية.
(2) التشجيع على إيجاد جمعيات مجتمع مدني، تكون من ضمن مهامها رعاية مصالح القطاع السياحي، واقتراح الوسائل الكفيلة بتطويره، بحيث تتفرغ الهيئة للرقابة على أعمال القطاع والتنظيم، بعيداً عن الأمور الإدارية والتنفيذية.
(3) تبني فكرة العروض السياحية والمتاحف المتنقلة بالشكل الذي يتيح لجميع أفراد المجتمع السعودي التعرف على الخصائص الميزات السياحية عن بعد، التي تنفرد بها مناطق ومدن المملكة المختلفة دون الحاجة إلى السفر إلى تلك المناطق، ولا سيما أن هذا التوجه، سيعمل على تعميق ثقافة السياحة الداخلية في أذهان الناس، بما في ذلك التعرف على الإمكانات والفرص السياحية المتوافرة.
(4) تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في القطاع السياحي، من خلال توفير المناطق والأراضي السياحية بأسعار رمزية وبالذات في الواجهات السياحية، وكذلك توفير قنوات التمويل اللازم، بالدعوة إلى إنشاء صندوق أو بنك لتمويل المشاريع السياحية، على غرار صندوق التنمية الصناعي، وبنك التسليف الزراعي وخلاف ذلك.
(5) ابتكار منتجات سياحية جديدة، حيث لا يزال تسويق السياحة لدينا، يعتمد إلى حد كبير على أفكار ومنتجات سياحية مكررة ومكرورة، تكاد تخلو إلى حد بعيد من الإبداع والابتكار، ولعلي أطالب في هذا الخصوص بما طالبت به كلمة «الاقتصادية»، بضرورة دراسة واقعنا السياحي في هذا الوطن واكتشاف الفرص السياحية البكر والتعامل معها بالشكل الذي يلبي احتياجات المواطن والمستثمر، مثال تنمية والاستثمار في الشريط الساحلي، الذي يمتد من حقل شمالاً حتى جازان بمحاذاة البحر الأحمر، على مساحة تزيد على 1900 كيلومتر، والذي يشكل في طبيعته الجغرافية وخلجانه ورؤوسه واحدا من أهم الشواطئ البكر القابلة للاستثمار السياحي.
إن الارتقاء بأداء السياحية في بلادنا، في ظل التحديات والمعوقات العديدة، التي يواجهها القطاع، التنظيمية والتشريعية والاجتماعية والتمويلية والاستثمارية، لربما يتطلب إعادة النظر في استراتجيتنا السياحية، وتحديثها بما يتوافق مع المتغيرات والمستجدات، ويحقق في الوقت نفسه تطلعات وطموحات المواطن والمقيم والمستثمر والزائر الخارجي على حد سواء. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي