تحرك الجيش في الفلبين غير مستبعد
سادت الفلبين أخيرا شائعات بقرب وقوع انقلاب عسكري ضد حكومة الرئيس فرديناند ماركوس الابن بونج بونج ماركوس، الذي وصل إلى السلطة في انتخابات العام الماضي الرئاسية في أعقاب تحقيقه فوزا كاسحا على منافسته بحصوله على نحو 30 مليون صوت، فما أسباب هذه الشائعات؟ وما مدى جديتها؟
بداية فإن تحرك الجيش ضد السلطة المدنية المنتخبة ليس بالأمر الجديد في هذه البلاد.
فوالد الرئيس الحالي الديكتاتور فرديناند ماركوس زرع بذور الانقلابات العسكرية بتحوله من رئيس منتخب في 1965 إلى ديكتاتور يحكم بالأحكام العرفية.
وخلال فترة حكمه الديكتاتوري من 1972 إلى 1986 تعرض إلى محاولة انقلاب فاشلة في 1976 قادتها جماعة "لابيانج مالايا" شبه العسكرية المتطرفة.
خرج ماركوس الأب من السلطة في شباط (فبراير) 1986 تحت ضغط ثورة شعبية مدعومة من الكنيسة والجيش وقوات الشرطة، فعاد المدنيون إلى الحكم من خلال كورازون أكينو التي قادت الفلبين من شباط (فبراير) 1986 حتى حزيران (يونيو) 1992، والتي شهد عهدها أكثر عدد من محاولات الانقلاب الفاشلة بقيادة ضباط كبار من الجيش والشرطة أو محاولات التمرد من قبل الجنود وأعوان الرئيس المخلوع ماركوس.
فما بين تموز (يوليو) 1986 وتشرين الأول (أكتوبر) 1990 وقعت تسع محاولات انقلاب وتمرد بذرائع مختلفة، بل إن العقيد جريجوريو هوناسان وحده قام بمحاولتين متعاقبتين فاشلتين في 1987 و1989.
وحتى بعد انتهاء فترة رئاسة أكينو، لم يسلم خلفاؤها من محاولات الإطاحة بهم، فكانت هناك ثلاث محاولات تمرد أو انقلاب في الأعوام 2003 و2006 و2007 قام بها جنود متذمرون.
بالعودة إلى قضية الشائعات التي انتشرت أخيرا، نجد أن أسبابها تكمن أساسا في ضعف الرئيس الحالي وقلقه من انفلات الأمور من بين يديه، بدليل عدم ثباته في قراراته وإقدامه على تعيينات وتنقلات مفاجئة في صفوف قيادات الجيش والشرطة ووزاء الحكومة ورؤساء الأجهزة العامة، وهو ما أثار مخاوف واسعة من احتمالات أن يقدم المتضررون على الرد من خلال التآمر للإطاحة بالسلطة المدنية الحالية، وبالتالي دخول الفلبين مجددا في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.
في التفاصيل، نرى أن الرئيس ماركوس الابن بدأ العام الجديد بتغييرات واسعة ومفاجئة في القوات المسلحة، من أهمها إعادة تعيين الجنرال المتقاعد أندريس سينتينو رئيسا لأركان الجيش، بدلا من الجنرال بارتولومي باكارو الذي كان قد تمت ترقيته بسرعة ليحل مكان سينتينو العام الماضي.
ردة الفعل الأولى على هذا القرار تمثلت في استقالة الجنرال خوزيه فوستينو من مسؤولياته في وزارة الدفاع احتجاجا بقوله إنه لا يقبل بتشويه أو إهانة أو تسييس الجيش.
اتخذ المراقبون من ردة الفعل هذه من جانب جنرال كبير مثل فوستينو مؤشرا للقول بوجود انقسامات داخلية في مؤسسة الجيش، خصوصا بعد توجيه الجنرال سينتينو كلمة إلى ضباطه دعاهم فيها إلى نبذ الفرقة والانقسام، الأمر الذي فجر شائعات الانقلاب العسكري.
أما ما عزز هذه الشائعات فهو وقوع هزة في أجهزة الأمن والشرطة الفلبينية بالتزامن تمثلت في دعوة بنيامين أبالوس وزير الداخلية والحكم المحلي لنحو ألف من جنرالاته وضباطه إلى تقديم استقالاتهم بسبب انتشار الفساد في أجهزة إنفاذ القانون، مشيرا بذلك إلى تورط محتمل لهؤلاء في أنشطة متعلقة بالمخدرات.
والحقيقة أن الهزات والانقسامات ليست مقتصرة على مؤسستي الجيش والشرطة فحسب، وإنما تعانيها أيضا إدارة وحكومة الرئيس بونج بونج ماركوس نفسها.
ففي الأشهر الستة الأولى من توليه سلطاته وتشكيله حكومته الأولى ترك عديد من أعضاء مجلس الوزراء مناصبهم، بمن فيهم صديقه المقرب وذراعه اليمنى وقائد حملاته الانتخابية السابق المحامي فيكتور رودريجيز، الذي شغل منصب الوزير التنفيذي الأول من يونيو إلى سبتمبر 2022، الذي يعتقد أنه شارك في إحداث خلخلة في إدارة رئيسه في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، بعد أن رفض ماركوس منحه مزيدا من الصلاحيات بناء على نصيحة كبير مستشاريه القانونيين العجوز الجنرال السابق خوان بونسيه أنريلي "98 عاما"، الذي شغل حقائب الدفاع والعدل والمالية زمن والده الديكتاتور.
في وسط هذه الأجواء القلقة، حدث ما صب الزيت على نار الشائعات، بإغلاق مطار مانيلا الدولي والتسبب في تعطيل مئات الرحلات الجوية وتكدس المسافرين.
وبطبيعة الحال، فإن إغلاق مرفق حيوي كالمطار دون مبرر جعل الفلبينيين، ولا سيما رواد مواقع التواصل الاجتماعي، يعتقدون بوجود تحرك عسكري للإطاحة برئيسهم المنتخب.
والأدهى من ذلك أن هذا الحدث تزامن مع صدور مذكرة تحمل شعار الشرطة الوطنية حول إعلان التأهب الكامل لجميع منتسبي الأمن لمواجهة أي اضطرابات محتملة في معسكر أجوينالدو العسكري القريب من المقر الرئيس للشرطة، قبل أن يعلن المتحدث الرسمي باسم الشرطة العقيد جان فاجاردو أن وضع قواته في حالة التأهب القصوى لم يكن بسبب قلق من حدوث انقلاب أو تمرد، وإنما لتأمين تجمع ديني سنوي في العاصمة يشارك فيه عادة نحو مليوني مصل.
جملة القول، إن إعادة تعيين سينتينو رئيسا لأركان الجيش تثير القلق وعديدا من الأسئلة مثل هل كانت إعادته تصحيحا لخطأ قام به ذراع الرئيس اليمنى المستقيل فيكتور رود ريجيز حينما أقصى سينتينو ليأتي بصديقه الجنرال بارتولومي باكارو؟ وهل سيتعاون رودريجير مع باكارو فيستخدمان نفوذهما ويستغلان ضعف الرئيس للإطاحة به؟