الاستقرار المالي .. المخاوف تعود

لم يتوقف وجود المخاطر المالية على الساحة العالمية. صحيح أنها تراجعت بعض الشيء في أعقاب سلسلة من الإجراءات الحكومية المتشددة حول العالم، بعد انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، لكن الصحيح أيضا أنها ظلت تحوم في الأفق.

والأزمة الاقتصادية المشار إليها، هي في الواقع وليدة أزمة مالية قيل عنها آنذاك، إنها لا تحدث إلا كل 100 عام. وفي كل الأحوال، عادت المخاوف بقوة في الآونة الأخيرة على صعيد المخاطر المالية، التي شهدت تحويرا لها في الفترة السابقة.

وهذه النقطة تثير قلق المشرعين الماليين هنا وهناك، خصوصا في ظل أزمة يمر بها العالم، ولدتها جائحة "كورونا"، والموجة التضخمية الهائلة، بروابطها الأخرى مثل اضطراب سلاسل التوريد، وارتفاع الديون الحكومية إلى مستويات فاقت أحجام الناتج المحلي الإجمالي لكثير من الدول.
في الفترة الماضية تعاظم القلق من جهة ما سماه بنك التسويات الدولية، "هشاشة سوق الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري".

وإذا ما نظرنا إلى أسواق السندات الأمريكية، فقد زادت حدة التقلبات فيها في الفترة القصيرة السابقة، لسبب أساسي وهو ضعف السيولة بشكل عام. وهذا الوضع يزيد من حدة المخاوف.

فما تم اتخاذه من إجراءات مشددة في أعقاب أزمة 2008، لم يحقق الأهداف كلها لأسباب متعددة. في مقدمتها، أنها استبدلت مخاطر الطرف المقابل بمخاطر السيولة.

بمعنى آخر، تحميل أطراف أخرى المخاطر، وسط شكوك حول ما إذا كانت هذه الأطراف قادرة بالفعل على تحمل الأعباء، بصرف النظر عن الفوائد التي يمكن أن تحققها في المستقبل نتيجة شراء الديون المتعثرة من هذه الشركة أو تلك. وهذا ما رفع من حدة المخاطر على السيولة بشكل عام.
لماذا يخشى العالم اليوم تحديدا ولادة أزمة "بصرف النظر عن حجمها" تتعلق بالمخاطر المالية؟ لأنه مقبل بصورة أو بأخرى على ركود قد يكون طويلا، ما يزيد من حجم الضغوط المالية إلى جانب الاقتصادية. ما يحدث اليوم، هو أن الجهات التنظيمية تركز على ما يعرف بمصارف الظل، التي تعد أقل عرضة للمشكلات ضمن النظام المالي العام.

والفكرة معروفة في القطاع المالي، وهي تقوم على أنه إذا ضربت أحد الجانبين المتعاملين مشكلة، فلن يتحمل الجانب الآخر المسؤولية.

إنها عملية معقدة لكنها ليست ثابتة بمعايير عدد من المراقبين. ويعتقد بول تاكر النائب السابق لمحافظ بنك إنجلترا المركزي، أن العالم يشهد ضغوطا على السيولة في أماكن متعددة، في حين أن محافظي البنوك المركزية كانوا يأملون في منع هذه الضغوط عبر تقييد نظام الظل المصرفي.
ليست هناك حالة متماسكة من الاستقرار المالي على الصعيد العالمي.

وهذه نقطة يعترف بها كل المشرعين الماليين في البلدان المتقدمة. والاستقرار إذا ما توافر سيسهم في تقوية المساعي والتحركات لمعالجة أي مشكلات مالية اقتصادية كبرى كتلك التي يمر بها العالم في الوقت الراهن.

وقد برزت هذه المخاطر أخيرا مع انفجار جائحة "كورونا" التي أجبرت الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - على سبيل المثال - على دعم كل صناديق أسواق المال وسوق الأوراق التجارية. والأمر ينطبق على جميع البلدان التي تعتمد اقتصاد السوق.

لا يزال النظام المالي في حالة من الضغوط فقط، فهو لم يصل إلى مرحلة المخاطر العنيفة، لكن الوقت ليس في مصلحة القائمين على السياسات المالية. فعليهم أن يعملوا بقوة الآن من أجل الوصول إلى صيغ تضمن استقرارا ماليا، عبر استحداث ما يمكن وصفه بالمقايضة الناجعة بين مصادر الخطر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي