FINANCIAL TIMES

من يفتش المفتشين؟

من يفتش المفتشين؟

ينبغي على الأجهزة التنظيمية أن تراقب جوجل عن كثب. من بين الكتب الموجودة في جميع مكتبات العالم، والتي يبلغ عددها 30 مليون كتاب أو نحو ذلك، لم يبق سوى خمسة ملايين كتاب مطبوعة على الورق. لذلك إذا أرادت جوجل أن تبذل جهوداً ضخمة (وتدفع أموالاً طائلة) لتصوير بقية الكتب المطبوعة (ضوئياً) وتحويلها إلى شكل إلكتروني متاح على الإنترنت، أليس هذا يعتبر توسعة تاريخية لآفاق المعرفة للعالم أجمع؟ ثم ألا يجدر بحكومات العالم أن تحتفل بهذا الكرم الحاتمي الذي أصبح ممكناً بفعل الأموال الطائلة المتوافرة لدى جوجل؟ حين يتعلق الأمر بجوجل، ليس هناك أمر بهذه البساطة. ذلك أن هيمنتها على أدوات البحث على الإنترنت أعطتها موقعاً رئيسياً في اقتصاد المعلومات. في الولايات المتحدة نصف جميع الإعلانات على الإنترنت تقريباً تتدفق من خلال أنظمة جوجل. حتى مايكروسوفت، الشركة الوحيدة التي توجد لديها التكنولوجيا والمهارات والأموال الضخمة التي تجعلها نداً لجوجل، تخلت عن مشروع منافس لمسح الكتب ضوئياً وتصويرها وتحويلها إلى شكل إلكتروني. هذا هو السبب في أن وزارة العدل الأمريكية على حق في إلقاء نظرة متفحصة على التسوية التي اقترحتها جوجل بخصوص قضية جماعية أقامتها ضدها مجموعة من شركات النشر والمؤلفين. ربما تعطي جوجل معاملة تفضيلية، مثلا فيما يخص الكتب التي لا يمكن تحديد أو معرفة أصحاب الحق في ملكيتها. كذلك، النظام الجديد الواسع والمعقد لمعالجة الأمور المتعلقة بحقوق ملكية الكتب على الإنترنت يخلق حوافز تستحق التمحيص الدقيق والشامل حتى نضمن أنه يعزز التنافس في الأسعار ويعزز الاختيار. الأجهزة التنظيمية في واشنطن محقة كذلك في التدقيق في جوانب أخرى من سلوك جوجل. وعدت الشركة بأن تكون أكثر انتباهاً لمسؤولياتها التي تصاحب وضعها المهيمن. وهذا أمر نرحب به، لكن هناك تصرفات سابقة لجوجل تثير القلق. الشراكة التي اقترِحت في السنة الماضية مع ياهو كانت محاولة مكشوفة لقطع الطريق على مايكروسوفت، وكان من الممكن أن تضعف حوافز ياهو للتنافس مع جوجل في أدوات البحث. كانت الأجهزة التنظيمية الأمريكية على حق في إرغام جوجل على التراجع عن اقتراح الشراكة. والحقيقة التي تقول إن التنفيذيين في جوجل لا يزالون يتحدثون حتى الآن عن مزايا التحالف بين ياهو وجوجل تبرز المزيج الذي يجمع بين السذاجة والغطرسة الذي تتسم به معالجة جوجل للمخاوف العامة المشروعة. بالنسبة لأهم موضوع في هذه المواضيع، وهو الحصة الضخمة والمتنامية التي تتمتع بها جوجل في سوق الإعلانات على الإنترنت، ليس من الضروري اتخاذ إجراء بهذا الخصوص حتى الآن. فالخدمات التي تقدمها جوجل هي نعمة كبرى لشركات الإعلان، وهو أمر نراه بوضوح في العدد المتزايد من الشركات التي تتحول إلى هذه الخدمات في الأوقات العصيبة. تشير الشركة إلى أنها لا تحدد الأسعار التي يتم التوصل إليها من خلال المزادات، ولا تقيد المستخدمين أو تهيمن عليهم، إذ إنهم أحرار في تصدير بياناتهم الشخصية إلى خدمات أخرى. لكن هذا لا ينبغي له أن يوقف الأجهزة التنظيمية الأمريكية عن رصد حركات جوجل عن كثب. في اقتصاد المعرفة تعتبر البيانات مصدر قوة. وجوجل تتمتع بقدر من البيانات يفوق ما لدى أية جهة أخرى. هذا يساعد الشركة على استهداف نشاطاتها الإعلانية وتفصيل خدماتها الأخرى على حسب احتياجات الآخرين، ويزيد من تقدمها على الشركات المنافسة. نحن نرحب بالتمحيص المتجدد الذي تقوم به واشنطن.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES