مشكلة السعودة
أوضح معالي نائب وزير العمل الدكتور عبد الواحد الحميد هذا الأسبوع أثناء ندوة أقيمت في النادي الأدبي في الرياض بعنوان (هل السعودة عنصرية؟) أن هناك مَن يرفض السعودة بدافع ديني، باعتبار أنه لا فرق بين مسلم وآخر، موضحاً أن هذا فهم خاطئ، فالأقربون أولى بالمعروف.
وأعتقد أن مسلسل أعذار السعودة لن يتوقف وسيحرص رجال الأعمال على تقديم العذر تلو الآخر، ولن يتوانى البعض في ربط ذلك بالدين مستشهدين ببعض النصوص الصحيحة، وفي مقدمتها أن الناس سواسية ولا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، ولكنه في رأيي حق أريد به باطل، ويضاف هذا العذر إلى الأعذار السابقة التي تصف الشباب السعودي بعدم الجدية وعدم الكفاءة أو أنهم لا يقبلون بالرواتب التي يقبل بها المقيم أو لا يستقرون في العمل، فهم ينتقلون من جهة إلى أخرى بحثاً عن دخل أعلى وغير ذلك من الأعذار التي يتفنن بعض رجال الأعمال في تقديمها ما إن يسمع كلمة السعودة.
إن مشروع السعودة مشروع يحسن دفنه، فإكرام الميت دفنه، وفي المقابل يجب علينا أن نوفر البديل المناسب وأن نقدم مشروعاً أفضل قابلا للتطبيق، فنحن منذ عشرات السنين ننادي بهذا المشروع وها هي نسبة البطالة في ازدياد إذ بلغت أخيرا 10 في المائة كما أعلن، في حين زادت العمالة الوافدة وتجاوزت ستة ملايين عامل وافد.
لذا أرى أننا يجب أن نعمل بأسلوب آخر مختلف عن الأسلوب السابق، خصوصاً أن هناك خطوات مساندة نجحت فيها وزارة العمل، وفي مقدمتها تقديم الدعم من قبل صندوق الموارد البشرية للتدريب المنتهي بالتوظيف، وكذلك التوظيف المباشر، ولو تمت الاستفادة من هذه المميزات في كافة الشركات في القطاع الخاص لتحسنت فرص العمل المقدمة للشباب السعوديين بشكل ملحوظ.
دعونا نقوم بجمع كل التجارب السابقة لهذا المشروع ونحللها ونعزل الفاشل منها، والذي أثبتت الأيام والشهور والسنين فشله ونقوم بتغييره فورا ونركز على التجارب الناجحة ونعمل على تطويرها وتحسينها، وفي مقدمتها دعم أصحاب المشاريع الصغيرة، فأولئك هم أساس الاقتصاد وفي دعمهم دعم للاقتصاد من جانب، وتوفير لفرص العمل من جانب آخر.
إن مشكلة مشروع السعودة أنه بني على الإحلال، بمعنى أن أساس وضعه كان قائما على وضع السعودي مكان غير السعودي، وهذا مفهوم أثبت فشله ويجب أن يتغير بحيث ينطلق من خلال تهيئة السعودي في الأساس لما سيتم استحداثه من فرص عمل جديدة يحتاج إليها القطاع الخاص.
إننا نسمع كل يوم عن مشاريع بمليارات الريالات ومصانع سيتم إنشاؤها وشركات سيتم تأسيسها وغيرها من المشاريع الضخمة الكبيرة التي ستسهم في توفير مئات الآلاف من فرص العمل بحيث يمكنها أن تستوعب العاطلين حالياً ولكن المشكلة هي أننا لا نسعى لتهيئة شبابنا مبكراً لمثل هذه المشاريع ولا نقوم بوضع خطط مستقبلية لإعداد الكوادر البشرية الوطنية للعمل في هذه المشاريع، على الرغم من وجود كل الإمكانات وتوافر الوقت، بل نعمد إلى التقدم لوزارة العمل قبل إطلاق المشروع بأشهر للبحث عن تأشيرات.
وفي المقابل فإن الطمع والجشع الموجود لدى بعض التجار سيتواصل ويستمر، لأن باب التأشيرات مازال مفتوحاً، ولأن حجة عدم توافر الكوادر الوطنية المؤهلة مازالت قائمة، فالتاجر لن يضحي بربحه من أجل الشاب السعودي ولن يقبل بتوظيفه إلا عندما يوافق على نفس الراتب الذي يوافق عليه غير السعودي وعندما يعمل نفس ساعات عمل الموظف غير السعودي.
إن موضوع السعودة من المواضيع التي أشبعت بحثاً وطرحاً في مختلف الأوساط، ونحن في هذا الموضوع ندور في دائرة مفرغة منذ زمن، وأعتقد أنه جاء الوقت لكي نقف لبرهة ونسأل أنفسنا أين نحن وأين كنا وإلى أين نريد أن نصل، وغيرها من الأسئلة التي تحتاج منا إلى وقفة صريحة وواضحة بهذا الشأن.
ليست القضية قضية وزارة العمل وحدها بل هي قضية مجتمع كامل يجب عليه أن يعرف مسؤولياته تجاه هذه القضية ويسهم في حلها، فلن تنجح السعودة بجهد فردي بل لا بد أن يكون جهداً جماعياً متكاملاً.