حقائق غير مكتملة

في الآونة الأخيرة تفرغت لقراءة عدد من الكتب التاريخية التي تحتوي أيضاً على قراءات فكرية للأحداث التاريخية و مراجعات للوقائع و السير، وأنا مقصرة في قراءة التاريخ عموماً، لكن وجدت هذا الجانب من التحليل التاريخي للوقائع و الأحداث غائبا عني تماماً فأردت أن أكتشفه.
ولكن ما لفت نظري هو تكرار بعض أسماء شخصيات تاريخية معروفة عند أكثر من كاتب لكن بتغير قراءة الشخصية و الفكر و الأحداث، حتى إني لم أعد أعرف أين سأقف أمام هذه الشخصية؟، طالما أن كل كاتب اختلف في إظهارها!
بدأت أتتبع المصادر والإحالات، وأقرأ في أماكن أخرى حول ذات الشخصيات، وعودتي للمصادر أكدت لي أن بعض الكتاب مازالوا يتبعون الطريقة ذاتها في لي أعناق الحقائق.
ذكروني بالسلفيين وقراءتهم للدكتور محمد عابد الجابري، وقد ذكرت هذا في مقال سابق لي في مجلة "المجلة" الدولية تحت عنوان (عندما تلوى أعناق الحقائق ! )، فالنص الذي أعود إليه لا يتوافق دائماً مع الاقتباس الذي أوصلني إليه و المعنى الذي بنى عليه الكاتب رأيه و تحليله!
إذاً، هناك من الكتاب من ما زال مثل من يأخذون بـ (ويل للمصلين) دون أن يأخذوا بـ (الذين هم عن صلاتهم ساهون)، فتجد أنه اقتبس من كتابٍ ما مقولة لكاتب يثبت فيها فكرته، و حين تعود للكتاب الأصلي ستجد أن الكاتب عنى بقوله معنى آخر مختلفا تماماً.
قبل مدة طويلة اكتشفت موضوعاً في أحد المنتديات التي أشارك فيها منذ سنوات يضع فيه الأعضاء اقتباساتهم، وقعت على صفحات بعيدة بالصدفة اقتبس فيها أحد الزملاء جملة كتبتها في أحد مقالاتي، أتبع هذه المشاركة عديد من النقاش و كثير من ( الذم )، العجيب أني حتى أنا حين قرأت العبارة استغربت من نفسي كيف أكتب فكرة كهذه؟، و لأن المقال كنت قد كتبته منذ مدة طويلة فضلت أن أعود إليه، فتبين لي سبب هذا التعجب و سبب هذه الثورة أن ذلك الشخص اقتبس جزءا من الجملة التي تبين فكرتي و قد جعلها بهذا الاقتباس الناقص تؤدي إلى فكرة مفتوحة الرؤى بشكل كبير و قد تؤدي لأكثر من معنى مختلف، و حين راسلت إحدى الزميلات التي علقت قائلة إنه من الغريب أن أقع في فخ فكرة كهذه، بعثت لها بالمقالة كاملة فتغير رأيها تماماً!
أستغرب من هؤلاء الكتاب الذين لا يقفون أمام هذا الخلط في الأفكار، إن فكرة واحدة لا تصل صحيحة للمتلقي قد تؤدي إلى تغيير حقائق، و ربما أفكار مبنية على قرارات و مبادئ !
في رأيي, إن من المفترض لمن يجتهد ويعمل على البحث والكتابة وإصدار المكتوب أيضاً، أن يتحرى الحقيقة معها لأنه مسئول بأفكاره أمام القراء خصوصاً فيما يتعلق بالأفكار .. والتأريخ!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي