الرواتب الأكاديمية بين المرتبة الوظيفية وكفاءة العطاء
التحدي أمام جامعاتنا يكمن في إعطاء الجامعات شيء من المرونة في تحديد الرواتب التي ترى أنها تناسب نوعية الكادر الأكاديمي الذي تمتلكه والقادر على تحقيق الكثير من التميز للجامعة.
ما بين المكانة في الهيكل الإداري والقدرة على العطاء والإنتاج تكمن مسألة العدل في تقييم الأداء والمكافأة على الإنجاز. هي معضلة محصورة في المنظمات التي لها سلم رواتب ثابت لا يتغير بسهولة ولا يوجد بها مرونة في تقييم أداء موظفيها. المعضلة في استخدام سلم الرواتب تتمحور حول مقدرة هذا النظام في مكافأة أصحاب المستوى الأكبر عطاءً وإنتاجاً وليس ارتفاعاً في الهيكل الإداري. سلم الرواتب نظام متبع في الكثير من الدول والمنظمات ولكن ليس كل المنظمات تعطي الراتب الأكبر لمن تربع على رأس السلم أو الهرم الوظيفي, فالنجاح لهذه المنظمات يكمن في مقدرتها على التمييز بين أداء موظفيها حسب عطائهم وإنتاجيتهم وليس حسب سلطتهم ومكانتهم في عملية اتخاذ القرارات.
في السنوات الماضية كُتِب الكثير حول تدني رواتب أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية مقارنة بدول الخليج المجاورة ودول العالم. إلا أن الكثير من الآراء ركزت على مستوى الراتب ودخل الأستاذ الأكاديمي الشهري وليس بمستوى عطائه وإبداعه وإنتاجه الأكاديمي مقارنة بزملائه في المستوى الوظيفي نفسه أو في أعالي السلم أو أسفله. قيمة العطاء والإنتاج في المستوى الوظيفي نفسه تختلف من فرد إلى آخر ولكن الصعوبة تكمن في تقييم هذه القيمة الإنتاجية للأفراد ومن ثم تحديد الرواتب والبدلات.
سلم الرواتب في جامعاتنا لا يقدر على تمييز قيمة العطاء والإنتاج والإبداع بين الأساتذة الجامعيين وفي الوقت نفسه يفترض أن ذوي المراتب العالية في الهيكل التنظيمي في أي جامعة سعودية مثل رؤساء الجامعات هم أعلى قيمة عطاء وإنتاج أكثر من غيرهم في جامعاتهم وهذا شيء ليس بالضروري صحيح. في عديد من الجامعات الأمريكية, على سبيل المثال, لا يكون رئيس الجامعة أعلى راتباً من بعض الأساتذة أو الإداريين, ففي جامعة كولومبيا يتسلم أستاذ الأمراض الجلدية ديفيد سلفر أربعة أضعاف راتب رئيس الجامعة, وفي جامعة جنوب كاليفورنيا يأخذ رئيس القسم الرياضي في الجامعة أربعة أضعاف راتب رئيس الجامعة.
الإشكال يقع في كيفية تحديد النجاح وتقييمه بغض النظر عن المنصب والموقع في السلم الوظيفي. مستوى الراتب المدفوع للأساتذة يعكس أهمية الأستاذ للجامعة ويعكس كذلك أهمية عطاءه وإنجازه للجامعة, فلا بد من تحقيق مستوى عال من الرضا لمن لهم المقدرة على الإبداع والنجاح والعطاء للجامعة وطلبتها كي يتم المحافظة على هؤلاء الأساتذة المتميزين وعدم فقدهم لجامعة أخرى قد تغريهم بمستوى عال من الرواتب والبدلات في دول أخرى. التحدي أمام جامعاتنا يكمن في إعطاء الجامعات شيءً من المرونة في تحديد الرواتب التي ترى أنها تناسب نوعية الكادر الأكاديمي الذي تمتلكه والقادر على تحقيق الكثير من التميز للجامعة. العملية المركزية لتحديد الرواتب لأساتذة الجامعات والتي تكمن في معظمها في يد وزارة التعليم العالي لن تكون فاعلة وستقود إلى المزيد من عدم الرضا من الأساتذة المبدعين والذين لا يرغبون أو لا يستمتعون بصعود السلم الوظيفي من خلال المزيد من الأعمال الإدارية وليست البحثية.
تحسين المستوى الأكاديمي في الجامعات السعودية مرتبط ارتباطاً مباشراً بمستوى رضا الأساتذة الوظيفي. إعطاء الجامعات استقلالية أكبر في تحديد تعاملها وتقديرها ومكافآتها لإنتاجية وعطاء أساتذتها سيسهم بشكل كبير في تطوير المستوى الأكاديمي لجامعاتنا. خلق منافسة بين الجامعات السعودية على القدرة على جذب والمحافظة على الأساتذة المتميزين سيخلق ثقافة أكاديمية أكثر صحية وسيرفع من المستوى الإداري في إدارة الإبداع والمحافظة عليه.