إسقاط مشاكلنا على الوافدين
الإسقاط هو أحد الحيل النفسية الدفاعية التي ينسب فيها الفرد عيوبه إلى الآخرين للتخلص من الشعور بالذنب. وليس بعيداً عن ذلك ما ينسب للعمالة الأجنبية العاملة في المملكة من مختلف التهم، من الدعارة، وصناعة الخمور، والاختطاف إلى السحر والشعوذة، وكأن جُل هذه العمالة أتى لهذا البلد من أجل هذا الغرض. ولم نسأل أنفسنا لمن تصنع آلاف اللترات من الخمور التي يعلن عن اكتشافها يومياً، وأضعافها التي لا تكتشف؟، ولمن تستورد أطنان السجائر، وتهرب ملايين الحبوب المخدرة. أليست تصنع للاستخدام من قبل أبنائنا وبناتنا؟، ألم تنشأ قوات أمن الطرق بسبب امتهان عصبة من أبناء هذا البلد قطع الطريق في فترة ما؟
ألسنا نحن من يتاجر بهذه العمالة ويستقدمها لتعمل ما تشاء في هذا البلد مقابل إتاوة شهرية تدفع للبرجوازي؟، أو في حالات أخرى يدفع له راتبا لا يكاد يكفي عيشه ليترك له بعد ذلك المجال لممارسة أية أعمال أخرى تدر له دخلاً إضافياً ليستطيع تسديد ديون استقدامه.
يدرك الجميع أن النسبة العظمى مما نراه من محال صغيرة يمتلكها اسمياً أفراداً ومؤسسات سعودية وفعلياً عاملُ أجنبي ذكي، نشيط، لا ينام سوى سويعات قليلة كل يوم من أجل كسب العيش، بينما ابن صاحب هذا المحل ينام في دار والده دون عمل.
لقد أسأنا إلى أبنائنا عندما لم نعلمهم قيمة العمل، وأصبحت صفة العامل أو جنسيته تُعدّ مجالاً للسخرية والتندر وعدم الاحترام وشتيمة توجب الخصام. لأننا ومنذ البدء لم نعطهم التعليم الأساسي الصحيح، والآن وبعد عشرات السنين من البذل والعطاء المسرف في التعليم الأولي، والجامعي، والمهني نكتشف أننا لم نستطع غرس تلك المبادئ والمفاهيم التي تكرس لثقافة العمل، وأن العامل بقيمة العمل الذي يؤديه، وليس بجنسيته أو بطبيعة عمله، فلجأنا إلى إرسال عشرات الآلاف من أبنائنا إلى جامعات دول الغرب ليتعلموا العلم وقيم العمل، والتي عجز نظامنا الاجتماعي والتعليمي بكافة مستوياته عنها.
إن المشكلة لدينا وليست بسبب العمالة، والعمالة ما هي إلا أدوات لتعظيم ثروات هؤلاء الأشخاص، ونحن من يخّدر أبناءنا عبر وسائل الإعلام غير المهنية باتهام هذه العمالة، والتي لو رحلت لشُلت حياتنا.
نعم .. نحن من ساهم في خلق وتوفير البيئة المناسبة لقلة من هذه الفئة، ودفعهم في هذا الاتجاه، في غياب تام للمسؤولية التي نتحملها من جراء الممارسات الخاطئة التي ينتهجونها.
لقد أضحى بعض شبابنا مغيب الفكر، مشتت الذهن، فاقد الثقة بالنفس، وأصبح يوجه حقده على كل أجنبي عامل على أرضنا، على اعتبار أنهم يخطفون فرصه الوظيفية، على الرغم من أنّ هذا الشاب والشابة لا يرضى أن يقوم بالأعمال التي تقوم بها هذه العمالة. وأنا لا أتحدث عن الوظائف الدنيا، ولكن انظر إلى أعداد العاملين في القطاع الصحي من الأجانب من الجنسين، والتي يأبى أبناؤنا العمل بها لما فيها من التزام عملي جاد، وللأسف دون أن نساعد هؤلاء الشباب على تفهم وضعهم الحقيقي، وضرورة تركيزهم على تطوير مهاراتهم، بل على العكس نعمق فيهم النظرة الفوقية ضد هذه العمالة، رغم أن لا مقارنة في الكفاءة الفنية بين الاثنين. فنظرة إلى طوابير المتقدمين على وظائف الجنود العسكرية، والتي لا تتطلب أية مهارة سوى الحصول على الشهادة المتوسطة أو الثانوية، تنبئك بحجم التحدي الذي لا يرغب شبابنا في مواجهته.
لقد آن الأوان بعدم مجاملة شبابنا على حساب أنفسهم ومستقبلهم، وأن يحترموا قيمة العمل لا طبيعة المهنة، وأن يعلموا بأن هؤلاء الأشخاص أكثر كفاءة منهم، وأن الاتكاء على كونه سعودياً لا يزيد رصيده البنكي، وإنما رصيد التأزم النفسي لديه. ودمتم بخير.
* دكتوراه في المعلوماتية الحيوية وحوسبة الأحياء
مؤهل عالٍ في حوسبة العلوم الاجتماعية