FINANCIAL TIMES

سنغافورة تتطلع إلى مكاسب من متاعب عدوتها هونج كونج

سنغافورة تتطلع إلى مكاسب من متاعب عدوتها هونج كونج

مع تصاعد الاضطرابات في هونج كونج هذا الصيف، اتجهت أنظار عالم الأعمال الآسيوي إلى سنغافورة: هل العدو اللدود لإقليم هونج كونج أمامه فرصة الاستفادة؟
شهدت هونج كونج أكثر من ثلاثة أشهر من الاشتباكات بين متظاهرين مناهضين للحكومة والشرطة، تصاعدت لتصبح أكبر أزمة تشهدها المدينة منذ عقود.
سارع بعضهم إلى افتراض أن الشركات ستنتقل إلى سنغافورة، أحد المراكز المالية الكبيرة الأخرى في آسيا، إذا تفاقمت التوترات في هونج كونج. لكن إلى أي مدى يمكن أن تحل هذه المدينة الدولة فعلا محل هونج كونج؟
مستندة إلى مسح أجرته الشهر الماضي، قالت غرفة التجارة الأمريكية في سنغافورة يوم الخميس إن 22 في المائة من الشركات التي لها عمليات في هونج كونج تدرس نقل رأس المال إلى خارجها، و5 في المائة لديها خطط لذلك. وقال 1 في المائة فقط من الشركات إنها خططت لنقل أنشطتها، لكن 23 في المائة منها كانت تدرس هذا الخيار. وعندما كانت تسأل عن وجهتها المفضلة، اختار أكثر من 90 في المائة منها سنغافورة.
سلطات سنغافورة ركزت على تسليط الضوء على أن عدم الاستقرار في هونج كونج يمكن أن يؤذي سنغافورة أيضا. ولم تخاطر أي مؤسسة كبرى في هونج كونج حتى الآن بإغضاب بكين من خلال نقل العمليات إلى سنغافورة. لكن تجري الآن سلسلة ثابتة من التحركات الإضافية.
تقول شركات التوظيف الدولية إن عددا متزايدا من المرشحين يعبرون عن تفضيلهم لسنغافورة على هونج كونج. قالت كاترين ويفر، الشريكة في شركة لويس سيلكين للمحاماة التي تركز على التوظيف والهجرة، إن المرشحين لديهم مخاوف بشأن سلامتهم الجسدية ويفضلون سنغافورة بسبب استقرارها الاقتصادي وآفاقها طويلة الأجل.
أحد عملاء ويفر، وهي شركة تكنولوجيا، كانت تعتزم افتتاح مقر لها في آسيا والمحيط الهادئ في هونج كونج، لكن المقر انتقل إلى سنغافورة نتيجة عدم اليقين السياسي.
العمال الأجانب في سنغافورة يحتاجون إلى تأشيرة، ما يعني أن أي نقل على نطاق واسع من شأنه أن يشكل تحديا لوجستيا. وراء الكواليس، تعمل شركات الخدمات المالية على وضع مثل هذه الاعتبارات في خططها من أجل استمرارية الأعمال، التي تمت إعادة تشكيل كثير منها نتيجة لاضطرابات هونج كونج.
قال نيل بيتي، الشريك في شركة كونترول ريسكس للاستشارات في مجال المخاطر: "كل شخص لديه خطة لاستمرارية العمل في حال ضرب إعصار. الآن عليك التفكير في وضع مثل: ’ماذا لو دخل الغاز المسيل للدموع إلى أحد المكاتب؟‘".
الاستقرار السياسي شيء تضمنه سنغافورة، بالنظر إلى نظامها السياسي الخاضع للسيطرة بعناية وشبه الاستبدادي. هذه المدينة الدولة محكومة من قبل الحزب نفسه لمدة ستة عقود ولم يكن لها سوى ثلاثة رؤساء وزراء.
كما أنها لا تزال واحدة من أكثر البلدان الصديقة للأعمال في جميع أنحاء العالم، وهي متفوقة تاريخيا على هونج كونج في تصنيف البنك الدولي من حيث سهولة تنفيذ الأعمال. في نتائج 2019 احتلت سنغافورة المركز الثاني في حين احتلت هونج كونج المرتبة الرابعة.
بمعدل 17 في المائة و16.5 في المائة، على التوالي، تقدم كل من سنغافورة وهونج كونج معدلات ضرائب رئيسية جذابة متشابهة، وهي أقل من المتوسط العالمي البالغ 24 في المائة.
الجهود التي تبذلها سنغافورة لجذب الشركات متعددة الجنسيات تشمل إعفاءات ضريبية لمدة خمسة أعوام - يمكن تمديدها - ومِنحا للبحث والتطوير يمكن أن تغطي ما يصل إلى 30 في المائة من تكلفة المشاريع التي تنطوي على تطوير المنتجات، أو التطبيقات، أو العمليات.
وحققت المدينة الدولة فوزا كبيرا في الآونة الأخيرة عندما قررت شركة دايسون نقل مقرها الرئيسي من المملكة المتحدة إلى سنغافورة، وهو ما وصفه محللون بأنه "حدث كبير".
لكن رغم جميع عناصر جاذبية سنغافورة سيكون من الصعب تكرار الروابط الاقتصادية والمالية لهونج كونج مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم. إذا اعتبرت الشركات والمصارف أن سنغافورة هي بوابة لجنوب شرقي آسيا، فإن هونج كونج هي معادل الصين القارية.
جذبت علاقة هونج كونج بالسوق الصينية كلية بوث للأعمال في جامعة شيكاغو لنقل المكون الآسيوي في برنامج ماجستير إدارة الأعمال للتنفيذيين من سنغافورة إلى هونج كونج، فيما اعتبر ضربة للمدينة الدولة، التي استضافت البرنامج لمدة 13 عاما.
بمساعدة قربها من بكين في إطار "دولة واحدة ونظامين"، تمكنت هونج كونج من بناء ممرات فريدة إلى الأسواق المالية الصينية التي كان لا يمكن اختراقها. يمكن للصناديق الدولية الاستثمار مباشرة في أسواق الأسهم والسندات المحلية في الصين عن طريق هونج كونج، التي لا تزال أيضا مركزا رئيسيا للرنمينبي في الخارج والداخل.
وفقا لـ "سْوِفت"، تمر ثلاثة أرباع جميع تدفقات مدفوعات الرنمينبي في الخارج عبر هونج كونج، في حين يتم تنفيذ نحو ربع جميع معاملات صرف العملات الأجنبية بالرنمينبي فيها. بالمقارنة، سنغافورة لا تمثل سوى 3.48 في المائة و5.54 في المائة، على التوالي، من تلك التدفقات.
هناك سمة أخرى لهونج كونج سيكون من الصعب تكرارها من قبل سنغافورة، وهي الأسواق الرأسمالية الغنية بالسيولة. بمعدل 665 مليار دولار، فإن رسملة حقوق الملكية لسوق الأسهم في سنغافورة تتضاءل أمام رسملة هونج كونج التي هي بحدود أربعة تريليونات دولار.
بذلت سنغافورة جهودا من أجل تغيير هذا الوضع، مثل إدخال قواعد جديدة تسمح للمجموعات بالإدراج من خلال فئتين للأسهم، وعرض منحة بقيمة 75 مليون دولار سنغافوري (55 مليون دولار أمريكي) لمساعدة الشركات الصغيرة على تغطية تكاليف الإدراج. لكن على الرغم من هذا، شهدت الرقم الإجمالي للشركات التي أدرجت في بورصتها يتراجع 28 في المائة خلال الأعوام الخمسة المنتهية في حزيران (يونيو).
بالتالي، رغم أن سنغافورة تحقق مكاسب تدريجية بطيئة نتيجة متاعب هونج كونج، إلا أنه يظل لديها مزيد من العمل الذي ينبغي لها إنجازه قبل أن تتمكن من التفوق بشكل واضح على منافستها ذات المركز التجاري المهم للأعمال.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES