الغاز الصخري وتقنية الطاقة «2 من 2»

يخلف صعود الطاقة الصخرية في الولايات المتحدة أيضا تأثيرا أوسع في الاقتصاد العالمي؛ حيث يعمل الغاز الصخري الأمريكي على تغيير ميزان القدرة التنافسية في الاقتصاد العالمي، على النحو الذي يمنح الولايات المتحدة ميزة غير مسبوقة وغير متوقعة. والواقع أن الغاز الطبيعي غير المكلف يغذي نهضة التصنيع في الولايات المتحدة، مع إقبال الشركات على بناء مصانع جديدة وتوسيع المرافق القائمة. وفي مختلف أنحاء أوروبا، بات قادة الصناعة يشعرون على نحو متزايد بالانزعاج الشديد إزاء خسارة الشركات القدرة التنافسية لمصلحة المصانع، التي تستخدم الغاز الطبيعي المنخفض التكاليف، وما يترتب على ذلك من تحول التصنيع من أوروبا إلى الولايات المتحدة. ويشكل هذا سببا أعظم للقلق في ألمانيا، التي يعتمد نصف ناتجها المحلي الإجمالي على الصادرات، وحيث تظل تكاليف الطاقة على مسار صاعد بشكل عنيد. وتعني هذه التكاليف العالية أن الصناعة الألمانية ستخسر حصتها في السوق العالمية.
وأيا كانت أهدافها فيما يتصل بتحويل مزيج الطاقة لديها، فإن بلدان الاتحاد الأوروبي، التي تعاني بالفعل البطالة المرتفعة ستضطر إلى إعادة النظر في استراتيجيات الطاقة العالية التكلفة أو مواجهة إضعاف القدرة التنافسية وخسارة الوظائف. وقد بات التأثير الجيوسياسي واضحا بالفعل. على سبيل المثال، تجلس إيران الآن وبجدية على طاولة المفاوضات النووية، وما كان هذا ليحدث لولا النفط المحكم. فعندما فرضت العقوبات الصارمة على صادرات النفط الإيرانية، أعرب كثيرون عن خشيتهم من ارتفاع أسعار النفط العالمية بشكل حاد، وأن العقوبات قد تفشل في نهاية المطاف، نظرا لعدم كفاية الإمدادات البديلة، ولكن الزيادة في إنتاج النفط في الولايات المتحدة على مدى العامين الماضيين عوضت الإنتاج الإيراني المفتقد، الأمر الذي مكن العقوبات "التي عززتها تدابير مالية موازية" من إحداث التأثير المطلوب، الأمر الذي حض إيران على التفاوض بجدية، وهو ما لم تكن على استعداد للقيام به قبل عامين فقط.
يتصاعد القلق من أن تتسبب الزيادة السريعة في إنتاج النفط المحكم في الولايات المتحدة في تغذية الانفصال الكامل من جانب الولايات المتحدة، ولكن هذا يشكل مبالغة في تقدير المدى الذي قد تعمل به الواردات النفطية المباشرة على تشكيل سياسة الولايات المتحدة في التعامل مع المنطقة. لا شك أن زيادة الإنتاج الأمريكي، مقترنا بزيادة الكفاءة في استخدام الوقود في السيارات، ستستمر في تقليص واردات الولايات المتحدة من النفط. ورغم أن الولايات المتحدة ستستمر في استيراد النفط في السنوات المقبلة، فإن قدرا متزايدا من هذه الواردات سيأتي من كندا "على الرغم من المناقشة الدائرة حول خط أنابيب كي ستون". ولكن وفق كل هذه الميزات سيظل الشرق الأوسط ساحة تشكل أهمية جيوسياسية كبرى، وسيظل نفط الشرق الأوسط يشكل ضرورة أساسية لعمل الاقتصاد العالمي، وهذا يعني ضمنا أن المنطقة ستظل ـــ في الأرجح ـــ تشكل مصلحة استراتيجية مركزية بالنسبة للولايات المتحدة. ولكن في الإجمال، توفر ثورة الطاقة الصخرية مصدرا جديدا لمرونة الولايات المتحدة، وتعمل على تعزيز مكانة أمريكا في العالم. ومرة أخرى، يبرهن ظهور الغاز الصخري والنفط المحكم في الولايات المتحدة على قدرة الإبداع والابتكار على تغيير موازين القوى الاقتصادية والسياسية العالمية.

خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي