حتى لا تصبح أسابيع المرور.. كالنفخ في قربة مخرومة
انطلقت بتاريخ الثامن من آذار (مارس) 2008، فعاليات الأسبوع المروري الخليجي الـ (24) في جميع مناطق السعودية ومحافظاتها، تحت شعار (التجاوز الخاطئ قاتل).
في مثل هذه المناسبات المروية المهمة، يبذل المسؤولون عن الشأن المروري في البلاد، قصارى الجهود في سبيل الارتقاء بفكر وبوعي المواطن المروري، وذلك من خلال تكثيف الجهود، المرتبطة بتوزيع العديد من المطويات التوعوية، إضافة إلى القيام بالزيارات الميدانية، وإلقاء المحاضرات على طلاب المدارس، وبث العبارات التوعوية من خلال الهاتف الجوّال.
من بين الفوائد العديدة لأسابيع المرور الخليجية، بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، إتاحة الفرصة لتبادل الخبرات الخاصة بالشأن المروري، إضافة إلى إتاحة الفرصة لتبادل المعلومات المرورية بين إدارات المرور في دول المجلس، مما يساعد على مزج الخبرات المرورية المتراكمة لسنوات طويلة لدول المجلس بين بعضها البعض، والاستفادة من ذلك للارتقاء بالأداء المروري في دول المجلس.
تجدر الإشارة إلى أن مسيرة أسابيع المرور الخليجية، قد بدأت منذ وقت طويل، عندما انطلق أول أسبوع مرور خليجي في عام 1404هـ، تحت شعار (حزام الأمان)، ثم توالت بعد ذلك أسابيع المرور الخليجية تحت شعارات مرورية متعددة ومختلفة وحتى يومنا هذا، مؤكدة جمعيها أهمية الارتقاء بالوعي المروري لدى قائدي المركبات في دول المجلس، وبالذات المرتبط بأهمية الالتزام بالقواعد والسياسات المرورية، وإجراءات الأمن والسلامة المرتبطة بقيادة المركبة، والتصميم السليم للطريق، إضافة إلى سلامة المركبة.
من بين أبرز الأسباب الرئيسة لانطلاق فكرة أسابيع المرور الخليجية في دول المجلس، وجعلها واقعا وحقيقة ملموسة على أرض الواقع، هو التصدي لما تعانيه دول مجلس التعاون من حوادث مرورية مفزعة ومقلقة في الوقت نفسه للقائمين على إدارة الشأن المروري في دول المجلس، الأمر الذي يؤكده، على سبيل المثال لا الحصر، تفاقم مشكلة حوادث المرور في السعودية، حيث تشير الإحصائيات المرورية إلى أن حوادث المرور في السعودية، تسببت في عام 1428هـ في قتل أكثر من 6300 شخص، وأن هناك 2226 متوفى داخل المدن بنسبة 35 في المائة، و4132 متوفى خارج المدن بنسبة 64 في المدن، في حين بلغ عدد الحوادث المرورية خلال العام نحو 435264 حادثاً. وتشير الإحصائيات كذلك، إلى أن أجهزة المرور الميدانية، قد حررت نحو 2.212.100 مخالفة في عام 1428هـ، تنوعت بين مخالفة سرعة زائدة، وتجاوز الإشارة الحمراء، وعكس السير، وتشير كذلك دارسة علمية إلى أن التكاليف الدنيا لحوادث المرور في السعودية قد بلغت 13 مليار في عام 1426هـ، ومرشح لها أن تصل إلى نحو 24 مليار بحلول عام 1440هـ، إن لم يحدث تحسن في مستوى السلامة المرورية في السعودية.
دون أدني شك إن حوادث المرور في السعودية، أصبحت تشكل عبئا إنسانيا وهاجسا وخطرا اجتماعيا، وصحيا، واقتصاديا كبيرا بالنسبة للسعودية، وبالذات حين النظر إلى عدد الأشخاص الذين تخسرهم البلاد في كل عام بسبب الوفاة أو بسبب العجز الدائم أو المؤقت، والذين هم معظمهم من فئة الشباب، إذ تشير الإحصائيات إلى أن أكثر المصابين في الحوادث المرورية في السعودية، تراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة، ويمثلون نحو 34.3 في المائة من إجمالي عدد المصابين، الأمر الذي سيتسبب آجلاً أم عاجلاً في حدوث اختلالات في سوق العمل، نظراً لكون معظم المصابين، وكما أسلفت، معظمهم من فئة الشباب في سن الإنتاجية.
في رأيي، إن خروج السعودية من النفق المظلم لحوادث المرور وما تتسبب فيه من حدوث خسائر بشرية ومادية فادحة للممتلكات والمقدرات الاقتصادية في كل عام، يتطلب تبني المرور، تطبيق استراتيجيات مرورية قصيرة إلى متوسطة وطويلة الأجل، تتعامل مع المشكلات المرورية أولاً بأول وإيجاد الحلول المناسبة لها، ولعلي أستشهد في هذا الخصوص باستراتيجية السلامة المرورية للسنوات الخمس لمدينة الرياض (1425هـ - 1429هـ)، التي استطاعت خلال السنوات الأربع الماضية من تحقيق نتائج ملموسة في مجال تخفيض معدل الوفيات والإصابات الخطرة في المدينة، حيث على سبيل المثال لا الحصر، قد تمكنت الاستراتيجية من خلال تطبيقها للمهام المدرجة بها، من تخفيض أعداد حوادث الوفيات في مدينة الرياض في عام 1425هـ من 430 حادث وفاة إلى 357 حادث وفاة في عام 1428هـ، ويتوقع حين الانتهاء من مشروع الإدارة الشاملة للحوادث، وبدء التطبيق في خلال العام الجاري، أن يسهم ذلك كذلك في التخفيف من حدة حوادث المرور، بسبب التطور الذي سيشهد مستوى أداء العمليات في مرور منطقة الرياض، بالذات المرتبط بسرعة الاستجابة لبلاغات الحوادث المرورية، من خلال استخدام أحدث التقنيات في مجال غرف العمليات والطوارئ.
في رأيي، كذلك من بين الحلول الرئيسة اللازمة للتعامل مع مشكلات حوادث المرور في بلادنا، ضرورة تقويم وتقويض السلوك الخاطئ لدى عدد كبير من قائدي المركبات في الشوارع والطرقات العامة، من خلال تغليظ العقوبات الخاصة بالمخالفات المرورية، وعدم التهاون في تطبيقها، وبالذات تلك الحوادث، التي تتسبب في وقوع إصابات جسدية وتلفيات مادية مروعة، مثل تجاوز الإشارة الحمراء، والسير عكس الطريق وإلى غير ذلك.
من بين الحلول كذلك، ضرورة الارتقاء بأداء أساليب وأدوات مواصلات النقل العام في السعودية، التي وللأسف الشديد لم ترق إلى مستوى التطلعات والطموحات، مما تسبب في اعتماد العديد من قائدي المركبات على استخدام مركباتهم الخاصة في المواصلات وتجنب استخدام وسائل النقل العام، الأمر الذي بدوره تسبب في حدوث اختناقات مرورية مفزعة، وحوادث مرورية مروعة.
أخيراً وليس آخراً، وبهدف التخفيف من حدة الحوادث المرورية في السعودية، فالحاجة أصبحت ماسة وملحة إلى إعادة النظر في هندسة وتصميم الطرق الرئيسة والفرعية في المدن السعودية المختلفة، ولا سيما في ظل ضعف القدرة الاستيعابية لتلك الطرقات للنمو المتزايد والمطرد في عدد المركبات.
خلاصة القول، إن تفاقم حدة المشكلات المرورية في بلادنا، وتسبب ذلك في وقوع حوادث مرورية مروعة، ينتج عنها في كل عام وفاة عدد كبير من الأشخاص، إضافة إلى الإضرار بالممتلكات والمكتسبات الاقتصادية، يتطلب تبني إدارات المرور في المدن السعودية المختلفة استراتيجيات قادرة على التعامل مع تلك المشكلات وإيجاد الحلول المناسبة لها، وفي رأيي في ظل غياب مثل تلك الاستراتيجيات، ستكون أسابيع المرور بمثابة مضيعة للوقت والجهد والمال، مثل النفخ في قربة مخرومة، وبالله التوفيق.