وكالة الطاقة .. تغير مشهد الطاقة العالمي
نتيجة للتحولات الكبرى في نظام الطاقة العالمي التي ستحدث على مدى العقود المقبلة، تعتبر مصادر الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي الرابح الأكبر في السباق لتلبية نمو الطلب على الطاقة حتى عام 2040، وفقا لأحدث تقرير عن "آفاق الطاقة العالمية" لوكالة الطاقة الدولية.
بخصوص تعهدات باريس بشأن تغير المناخ خلص التقرير إلى أن عصر الوقود الأحفوري لن ينتهي بعد، ويؤكد التحدي المتمثل في تحقيق أهداف مناخ أكثر طموحا. مع ذلك، السياسات الحكومية وخفض التكاليف في جميع قطاعات الطاقة، ستؤدي إلى مضاعفة كل من مصادر الطاقة المتجددة والتحسينات في كفاءة الطاقة على مدى السنوات الـ 25 المقبلة. ويستمر الغاز في تحسين موقعه في حين تنخفض حصص الفحم والنفط. ولكن لا يوجد سيناريو واحد حول مستقبل الطاقة العالمية: من الناحية العملية، السياسات الحكومية هي التي تحدد المسار المستقبلي. في هذا الجانب، تتطلع وكالة الطاقة الدولية إلى ثلاثة سيناريوهات للعرض والطلب على الطاقة. ويفترض السيناريو الرئيس للوكالة أو ما يعرف باسم "السياسات الجديدة" أن تحاول الدول الموقعة على اتفاق باريس تلبية المتطلبات التي وضعتها الاتفاقية وكذلك التشريعات البيئية القائمة بينما يفترض "سيناريو 450" أن تلتزم الدول الموقعة بالاتفاقية وأن ينخفض الطلب على النفط بوتيرة حادة فيما لا يضع سيناريو "السياسات الحالية" اتفاقية باريس في اعتباره.
على المدى الطويل، يبقى الاستثمار في النفط والغاز ضروريا لتلبية الطلب والتعويض عن تراجع الإنتاج، ولكن النمو في الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة ستقلل من الطلب على النفط والغاز في عديد من البلدان. كما أن زيادة شحنات الغاز الطبيعي المسال تغير أيضا النظرة إلى أمن إمدادات الغاز.
يستمر الطلب العالمي على النفط في النمو حتى عام 2040، بالدرجة الأولى لعدم وجود بدائل ميسرة عن النفط في قطاع النقل البري، الطيران والبتروكيماويات، وفقا للتقرير. مع ذلك، الطلب على النفط من سيارات الركاب ينخفض حتى مع تضاعف عدد المركبات في ربع القرن المقبل، والفضل يعود بالدرجة الرئيسة إلى التحسينات في الكفاءة، وأيضا إلى الوقود الحيوي وارتفاع عدد السيارات الكهربائية.
استهلاك الفحم بالكاد سينمو في السنوات الـ 25 المقبلة، بفضل الجهود التي تبذلها الصين لمكافحة تلوث الهواء وتنويع مزيج الوقود. أسواق الغاز تتغير أيضا، حيث إن حصة الغاز الطبيعي المسال ستتجاوز الغاز المنقول بالأنابيب وتنمو إلى أكثر من نصف تجارة الغاز المنقول لمسافات طويلة، ارتفاعا من 25 في المائة في عام 2000. وفي سوق متخمة بالفعل بالإمدادات، الغاز الطبيعي المسال الجديد من أستراليا، الولايات المتحدة وأماكن أخرى سيتسبب في التحول إلى أسواق أكثر تنافسية وتغييرات في شروط التعاقد والتسعير.
في السيناريو الرئيس للوكالة، زيادة الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2040 يعني زيادة استهلاك جميع أنواع الوقود، ولكن الصورة العالمية هذه تحجب عديدا من الاتجاهات والتحولات الكبيرة بين الوقود. ويرى التقرير أنه على الرغم من زيادة استهلاك الطاقة، سيظل مئات الملايين من الناس في عام 2040 دون خدمات الطاقة الأساسية. وعلى الصعيد العالمي، الطاقة المتجددة ستكون الأسرع نموا. في حين أن أداء الغاز الطبيعي سيكون الأفضل بين الوقود الأحفوري، حيث سيرتفع الاستهلاك بنسبة 50 في المائة. سيتراجع نمو الطلب على النفط خلال فترة التوقعات، لكنه سيصل إلى 103 ملايين برميل في اليوم بحلول عام 2040. ستكون الهند المصدر الرئيس لنمو الطلب وستتفوق الصين على الولايات المتحدة لتصبح أكبر دولة منفردة مستهلكة للنفط.
من ناحية أسعار النفط، ترى الوكالة في السيناريو الرئيس أن توازن العرض والطلب يتطلب اقتراب سعر النفط من 80 دولارا للبرميل في عام 2020 ويرتفع تدريجيا بعد ذلك، مبقية على توقعاتها للأسعار بموجب هذا السيناريو دون تغيير عن توقعات العالم الماضي.
ولتلبية الطلب المتزايد على الطاقة، ترى الوكالة في السيناريو الرئيس حاجة إلى استثمار تراكمي أكثر من 44 تريليون دولار في إمدادات الطاقة العالمية، 60 في المائة منها تذهب إلى استخراج النفط، الغاز والفحم، بما في ذلك محطات توليد الكهرباء التي تستخدم هذه الأنواع من الوقود، وما يقرب من 20 في المائة تذهب إلى الطاقة المتجددة. وهناك حاجة أيضا إلى 23 تريليون دولار إضافي لتحسين كفاءة استخدام الطاقة.
ويتحصل قطاع الكهرباء على حصة أكبر من أي وقت مضى من النمو في الاستهلاك النهائي للطاقة: مما يزيد قليلا على الربع على مدى السنوات الـ 25 الماضية، إلى ما يقرب من 40 في المائة من الاستهلاك الإضافي إلى عام 2040 في السيناريو الرئيس ونحو الثلثين في "سيناريو 450". وفي كلتا الحالتين، تمثل البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أكثر من 85 في المائة من الزيادة في استخدام الكهرباء، ولكن هذا القطاع يمثل أيضا واحدا من القطاعات القليلة التي تنمو في بلدان منظمة التعاون والتنمية.
على الرغم من أنه يمثل جزءا بسيطا من إجمالي الطلب على الطاقة، الزيادة المتوقعة في استهلاك الكهرباء في قطاع النقل البري تعتبر مؤشرا إلى نمو أوسع، مع استحواذ هذا النوع من السيارات على رضا المستهلك. في عام 2015، بلغ عدد السيارات الكهربائية في العالم 1.3 مليون، تقريبا ضعف مستويات عام 2014. وفي السيناريو الرئيس، يتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من 30 مليونا بحلول عام 2025، ويتجاوز 150 مليونا في 2040، هذا سيحد من نحو 1.3 مليون برميل في اليوم من الطلب على النفط في عام 2040. وفي "سيناريو 450"، سيصل عدد السيارات الكهربائية في العالم إلى 715 مليونا بحلول عام 2040، هذا بدوره سيحد من ستة ملايين برميل في اليوم من الطلب العالمي على النفط.
قطاع الكهرباء هو محور عديد من تعهدات باريس: بحلول عام 2040 نحو 60 في المائة من مجمل طاقات التوليد الجديدة تأتي من مصادر الطاقة المتجددة حسب السيناريو الرئيس للوكالة، وستكون غالبية طاقات التوليد هذه تنافسية دون أي دعم. الانتشار السريع لهذه المصادر يؤدي إلى خفض التكاليف، من المتوقع أن تشهد الطاقة الشمسية الكهروضوئية تراجعا في متوسط تكلفتها بنحو 40 – 70 في المائة إضافية بحلول عام 2040 وطاقة الرياح البرية 10 – 25 في المائة إضافية.