بين المكتبات والمطاعم

أشعر بالشفقة على أطفال هذا الزمن الذين يعرفون فيه أدق التفاصيل عن وجبات المطاعم السريعة وغير السريعة، ويتلهفون على زيارة كل مطعم جديد وتذوق وجباته و"صلصاته" وتصويرها، في الوقت نفسه الذي لا يقرؤون فيه كتابا ولا يتلهفون فيه على زيارة مكتبة..!
- يقول عباس محمود العقاد "لست أهوى القراءة لأكتب، ولا لأزداد عمرا في تقدير الحساب، إنما أهوى القراءة لأن لي في هذه الدنيا حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة، القراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة، لأنها تزيد هذه الحياة عمقا"، هذه المتعة التي يشعر بها القارئ هي متعة مفقودة بالنسبة لأطفالنا لأننا كآباء ومعلمين ومرشدين مقصرون في غرس مفهوم القراءة في نفس الطفل وتعويده على زيارة المكتبات، واختيار الكتب، وتفعيل مهرجانات القراءة، والمسابقات الثقافية بشكل متواصل..!
شتان بين الفائدة التي يجنيها الطفل من وجبة يتناولها في المطعم مهما كانت لذتها وقيمتها و"أرستقراطية" المكان وجمال المقطع المصور الذي سيعرض في "السناب" لاحقا، وبين قراءة كتاب يمنح الطفل خبرات لم يكن يعرفها، ويوسع ملكة الخيال في عقله، ويكسبه ثراء لغويا رائعا، وينمي لديه طرق التفكير ومهارة التخيل، ويزيد من مخزونه الثقافي، ويحقق له مهارة التحدث أمام الآخرين، ويمنحه متعة لا تضاهى وهو يتنقل بين صفحات الكتاب سواء كان قصصيا أو ثقافيا أو معلوماتيا، ويساعده على بناء ثقته بنفسه، كما يقوم بإعداده بشكل غير مباشر على تحديد ميوله المستقبلية، كما أن بعض القصص الهادفة تسهم بشكل قوي وفعال في زرع القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية بشكل مبكر في عمر الطفل وبالتالي تسهم في سلوك أفضل له.
- وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها كان من المفترض أن تسهم بشكل قوي في غرس مفهوم القراءة عند الطفل، لكن ما يحدث الآن -مع الأسف الشديد- أنها تسهم "بأنانية" مفرطة في الترويج بشكل شخصي لمكاسب شخصية لأصحابها، كما أنها تسهم في صناعة "التفاهة" بالمجتمع من حيث غرس العادات السطحية التي لا قيمة من ورائها ولا منفعة، وتتجاهل العادات الإيجابية المؤثرة التي قد تغير مسار أمة بأكملها نحو الأفضل..!

وخزة
- ‏سأل فولتير ‎عمّن سيقود الجنس البشري؟ فأجاب: الذين يعرفون كيف يقرؤون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي