"تسونامي التجارة" يُزعزع استقرار الجغرافيا السياسية

خلال زيارته لبكين في ذروة خطاب الحرب التجارية للرئيس الأمريكي دونالد ترمب في "يوم التحرير" في أبريل الماضي، وصف الرئيس الكيني ويليام روتو النظام العالمي بأنه "منهار". وأعلن أن كينيا ستعمل مع الصين لبناء "نظام عالمي عادل وشامل ومستدام".
حتى في ذلك الوقت، بدت كينيا مثالاً صارخاً على دولة نامية اعتمدت بشكل كبير على علاقاتها مع الولايات المتحدة، وأصبحت الحليف الرئيسي الوحيد المُعلن لواشنطن من خارج حلف الناتو في القارة الإفريقية بحلول 2024، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى دعمها المُعلن لأوكرانيا.
تواجه كينيا الآن مراجعة في مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن مدى استحقاقها للاحتفاظ بهذا المنصب، بالنظر إلى علاقاتها مع إيران والصين على وجه الخصوص. ومع تقارير الصحف الكينية عن اتفاق تجاري وشيك مع بكين خالٍ من الحواجز التجارية الظاهرة، في الوقت الذي يفرض فيه ترمب رسومًا جمركية 10% على كينيا، ألمح روتو إلى أن الخيارات المتاحة الآن محدودة.
صرح روتو في فعالية استثمارية في نيروبي هذا الأسبوع، مشيرًا إلى مخاوفه بشأن تقارب العلاقات مع بكين: "لديّ مشكلة بسيطة مع بعض أصدقائنا. لكن هذا ما يجب أن أفعله من أجل كينيا...".
ترى إدارة ترمب أن تبنيها للرسوم الجمركية أساسي في نهجها تجاه العالم الأوسع، بما في ذلك مسائل الحرب والسلام، بما في ذلك روسيا وأوكرانيا والصين وتايوان، إضافة إلى الجهود المبذولة لوقف تدفقات المخدرات عبر الحدود من المكسيك وكندا.
بالنسبة إلى عديد من دول ما يُسمى "الجنوب العالمي"، فإن ما وصفته الصحف الهندية بـ"تسونامي التجارة" كان بمنزلة صدمة صادمة لدول اعتادت منذ زمن طويل على اتباع مسار محرج بين مختلف الكتل القوية الأجنبية.
في بعض الحالات، كما هي الحال مع كينيا، ربما يكون ذلك قد سرّع التحولات الجارية بالفعل. في دول أخرى، مثل الهند، أكبر ديمقراطية من حيث عدد السكان وخامس أكبر اقتصاد في العالم، يُخاطر هذا الوضع بعكس مسار عقود من التحسينات التدريجية في العلاقات مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
بلغت هذه الديناميكية ذروتها هذا الشهر، مع كشف إدارة ترمب عن أحدث تعريفاتها الجمركية على جميع دول العالم، في الوقت الذي هدد فيه ترمب بفرض مزيد من التكاليف التجارية على شركاء روسيا التجاريين - خاصة الهند والصين - إذا لم يكن هناك وقف لإطلاق النار في أوكرانيا قريبًا.
في الواقع، تُعدّ ضريبة الاستيراد الأمريكية البالغة 10% المفروضة على السلع الكينية من بين المعدلات المنخفضة - وقد تواجه البرازيل والهند رسومًا جمركية تصل إلى عشرة أضعاف ذلك، بينما تواجه عشرات الدول الأخرى مستويات ما بين هذه المعدلات، وفي حالات متعددة مرتبطة صراحةً بأهداف سياسية محددة. الدبلوماسية تتجاوز التجارة
إلى جانب زيارة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف لموسكو، شهد هذا الشهر اجتماع وزير الخزانة سكوت بيسنت والممثل التجاري جيميسون جرير مع نظرائهم الصينيين لإجراء مناقشات يبدو أنها تتجاوز بالفعل اتفاقية تجارية محتملة لتشمل قضايا أمريكية صينية أوسع نطاقًا.
ولا تزال تايوان تستوعب الآثار المترتبة على ذلك، حيث يبدو أن الولايات المتحدة، في سعيها لتهدئة العلاقات مع بكين قبل اجتماع محتمل بين ترمب والرئيس الصيني شي جين بينج في وقت لاحق من العام، قد تجاهلت القادة التايوانيين.
ووفقًا لتقارير متعددة، شمل ذلك إلغاء زيارة مقررة لوزير الدفاع التايواني ويلينجتون كو إلى واشنطن، ورفض السماح لرئيس الجزيرة لاي تشينج تي بالهبوط والتزود بالوقود في نيويورك في زيارة تم إلغاؤها الآن إلى أمريكا الوسطى.
تايوان معتادة على تقلبات الدعم الأمريكي، وليست غير معتادة على أن تكون في المرتبة الثانية بعد مبادرات واشنطن تجاه بكين - ليس فقط في التجارة، بل في عديد من القضايا الأوسع نطاقًا. ومع ذلك، يبدو أن دولًا أخرى عديدة قد صُدمت حقًا من طريقة استهداف ترمب لها.

غضب حقيقي؟

وصفت وزارة الخارجية الهندية تعليقات ترمب التي وصف فيها مشتريات النفط الهندية بأنها "تغذي آلة الحرب الروسية" في أوكرانيا بأنها "غير مبررة وغير معقولة". ووصفت المشتريات بأنها "إجراءات ضرورية لحماية المصالح الوطنية والأمن الاقتصادي"، وانتقدت كلًا من الولايات المتحدة والدول الأوروبية لاستمرارها في بعض تجارتها مع روسيا.
وكانت بعض الصحف الهندية أكثر صراحةً، واصفةً الموقف الأمريكي بالنفاق.
الواقع أكثر تعقيدًا - مع أنه من الصحيح أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية لم تذهبا إلى أبعد مما ينبغي في الاستيلاء على الأصول الروسية أو عرقلة التجارة الروسية، وهي نقطة كررتها أوكرانيا نفسها مرارًا وتكرارًا.
وفي مناسبات عديدة، وصف ترمب الرسوم الجمركية التجارية بأنها إحدى تكتيكاته المفضلة لإنهاء الصراع المسلح وتقليل مزيد من إراقة الدماء. وعندما يتعلق الأمر بإنهاء القتال في أوكرانيا، وكذلك سنوات من الاضطرابات في جمهورية الكونغو الديمقراطية بوسط إفريقيا، فقد سعى صراحةً إلى إبرام صفقات معدنية مرتبطة، يقول منتقدوها إنها قد تفيد الولايات المتحدة قبل الدول المضيفة.

كاتب عمود اقتصادي محلل المالي في وكالة رويترز

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي