سباق بين واشنطن وبكين على العملات المشفرة.. هل بدأ تشكيل نظام مالي جديد في العالم؟

سباق بين واشنطن وبكين على العملات المشفرة.. هل بدأ تشكيل نظام مالي جديد في العالم؟
"الفرنسية"

تخوض الولايات المتحدة والصين سباقا على العملات المشفرة، وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في منشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأنه منافسة على من يقود العالم في مجال هذه العملات ، مشددا على أن واشنطن وبكين خصمان في هذا السباق المحموم.

تعد الولايات المتحدة حاليا أكبر مالك مؤكد لعملة البيتكوين بين الحكومات، بحصة تقدّر بنحو 213 ألف بيتكوين تحت السيطرة الفيدرالية، تحتوي المحافظ الحكومية الصينية على نحو 194 ألفا من هذه العملة الرقمية، بحسب ما قاله أحد الخبراء لـ "الاقتصادية".

ترمب كان قد أصدر تعليماته للجهات التنظيمية الأمريكية بوضع قواعد واضحة تدعم نمو صناعة العملات المشفرة، إلى جانب خطط لإنشاء احتياطي إستراتيجي من عملة بيتكوين.

أما الصين، التي ما زالت لديها مخاوفها بشأن التأثير السلبي للعملات المشفرة كأداة لتحويل الأموال إلى الخارج، فترى في هذه العملات وسيلة تشجع على قيام نظام مالي عالمي أقل اعتمادا على هيمنة الدولار بحسب محللين تحدثوا لـ "الاقتصادية".

هذا السباق المتعدد الأبعاد، له تداعيات عالمية كبيرة، خصوصا على المناطق الاقتصادية الحيوية مثل دول الخليج، التي تربطها علاقات اقتصادية واستثمارية وثيقة مع كل من الولايات المتحدة والصين، وتتمتع في الوقت ذاته بطموحات تنموية تسعى إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز التحول الرقمي.

أمريكا تغيّر نظرتها الأولى للعملات الرقمية مع قدوم ترمب

لا يظهر موقف الولايات المتحدة من العملات المشفرة. وعندما ظهرت هذه العملات في الأسواق، قوبلت بموقف أمريكي رافض، ما لبث أن تدرّج إلى القبول الحذر، وصولا إلى الترحيب الحالي. واليوم، أصبحت الولايات المتحدة الدولة التي تستضيف أكبر عدد من منصات تداول العملات المشفرة، وصاحبة المركز الأول عالميا في عمليات التنقيب عن العملات الرقمية.

باور سيرجز، خبير الاستثمار في العملات المشفرة، يرى بدوره أن الإدارة الأمريكية الحالية "تعد الأكثر دعما لصناعة العملات المشفرة مقارنة بالإدارات السابقة".

وقال لـ "الاقتصادية" أن إريك ترمب، نجل الرئيس الأمريكي صرح بأن والده استثمر بالفعل في العملات المشفرة ويمتلك كمية كبيرة من بيتكوين. يضاف إلى ذلك موقف جيه دي فانس، نائب الرئيس الأمريكي، الذي يعد أحد الركائز الأساسية في الدفاع عن هذه الصناعة.

إلى جانب ما لدى الولايات المتحدة حاليا من ثروة مؤكدة من بيتكوين، هي الأكبر في العالم، وأغلبها جُمع عبر مصادرات أجنبية، فإن الحكومة الأمريكية تمتلك عبر شركات عامة وصناديق استثمار ومحافظ رسمية نحو مليوني بيتكوين، أي ما يعادل 10% من إجمالي المعروض المتداول عالميا.

الصين القلقة من العملات الرقمية تريد إخضاعها لهيمنة الدولة

يقول سيرجز: "على الرغم من مخاوفها بشأن التأثير السلبي للعملات المشفرة كأداة لتحويل الأموال إلى الخارج، والحظر الصارم المفروض على التعدين والتداول، فإن المحافظ الحكومية لا تزال تحتوي على نحو 194 ألف بيتكوين".

"حتى مع غياب احتياطيات مؤكدة على المستوى الرسمي، فإن الطلب الهائل من قبل الصينيين يظهر مدى التأثير المستمر لبكين على البصمة العالمية للبيتكوين"، بحسب خبير الاستثمار.

الدكتورة باتريشا كلير، أستاذة النظم المالية، ترى بدورها أن الصين لا تعارض العملات المشفرة بشكل مطلق "إذ ترى فيها وسيلة تشجع على قيام نظام مالي عالمي أقل اعتمادا على الدولار، لكنها تسعى إلى إخضاع مسار الرقمنة المالية لهيمنة الدولة".

وقالت لـ "الاقتصادية: "على الجانب الآخر، تعمل واشنطن على تطوير أطر تنظيمية شاملة للعملات المشفرة، بما في ذلك استخدام بنيتها التحتية الرقمية لدعم مكانة الدولار داخل النظام المالي العالمي".

تؤكد كلير أن المسألة لا تتعلق فقط بالأرقام، بل بكيفية تعامل كل من الولايات المتحدة والصين مع العملات المشفرة كجزء من أجندتهما الاقتصادية والجيوسياسية الأوسع.

انعكاسات للسباق الرقمي بين واشنطن وبكين على الخليج

السباق الذي يحمل تداعيات على المناطق الاقتصادية مثل دول الخليج، التي ترتبط بعلاقات اقتصادية واستثمارية وثيقة مع البلدين، ولديها في الوقت ذاته طموحات تنموية مع سعيها إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز التحول الرقمي، يفتح خيارات إستراتيجية مهمة أمام هذه الدول.

يرى بلِنت جاكسون، الخبير في العملات المشفرة، أن دول الخليج قد تحتاج في المستقبل إلى تسوية بعض المعاملات باستخدام عملات رقمية أو مشفرة، ما يتطلب تطوير بنية تحتية رقمية مرنة وآمنة تدعم هذه التوجهات".

وقال لـ "الاقتصادية": "في ظل ارتفاع معدلات التضخم العالمي، يزداد اهتمام المستثمرين في الخليج بامتلاك عملات مشفرة، سواء كوسيلة للتحوط أو كأصل استثماري. لكن تقلب الأسعار، والمخاطر التنظيمية، وغياب الاعتراف الدولي الرسمي بالعملات المشفرة كأصول احتياطية من قبل البنوك المركزية، كلها عوامل تدفع دول الخليج إلى التعامل بحذر بالغ مع هذه العملات."

رغم التحديات، يشير خبراء إلى أن دول الخليج لديها فرصة فريدة للتحول إلى محور مالي رقمي عالمي، من خلال تبني سياسات تنظيمية مرنة، واحتضان الشركات الناشئة في مجال البلوك تشين، والسماح بتجربة حلول العملات المشفرة ضمن أطر رقابية ذكية، تتماشى مع إستراتيجيات التنمية الوطنية، وتسهم في جذب الاستثمارات وتعزيز التنافسية الإقليمية والدولية.

الأكثر قراءة