دحض الحكمة السوقية السائدة وكيفية تحليل الأسواق
نسب السعر إلى الربح المرتفعة، وزيادة الضرائب، والحروب الإقليمية، والعملات الضعيفة (أو القوية)، ما القاسم المشترك بينها؟ حكمة السوق التقليدية تُجمع على أنها جميعًا عوامل سلبية للأسهم. يتقبل معظم المستثمرين ذلك دون تساؤل، لكن لا داعِي للقلق. أشياء "يعرفها الجميع" غالبًا ما تكون خطأ بكل وضوح، وإدراك ذلك يمنحك ميزة تنافسية، الأمر ليس صعبًا. لا تفترض أبدًا أن الحكمة الشائعة عما هو جيد أو سيئ للأسواق صحيحة. عاملها كنظرية تحتاج إلى اختبار، تمامًا كما يفعل العالم، وهذا "مختبر" بسيط وسهل لمساعدتك في ذلك:
القليل جدًّا مما نراه هو حقًا "غير مسبوق"، لذا يتيح لك التاريخ اختبار معظم الادعاءات الأساسية مقابل البيانات التاريخية، وكثير منها لا يصمد أمام الاختبار.
مثال على ذلك: خرافة سوقية قديمة تدعي أن عوائد يناير تُنبئ بأداء العام كاملًا. يناير الجيد يعني سنة جيدة، يناير السيئ يعني سنة سيئة. هذه الفرضية يسهل اختبارها باستخدام بيانات الأسعار الشهرية متاحة منذ عام 1994. منذ ذلك الحين: سجل يناير والسنة نتائج إيجابية معًا 15 مرة. وسجل كلاهما نتائج سلبية معًا 3 مرات. لكن شهدنا 6 سنوات تراجع فيها السوق رغم أن يناير كان إيجابيًّا، كما شهدنا 8 سنوات كان يناير فيها سيئًا، لكنها انتهت بارتفاع السوق. أي أن هذه النظرية "نجحت" 18 مرة، لكنها فشلت 14 مرة. وهذا يُعدُّ عشوائية، لا أكثر.
أو لننظر إلى الاعتقاد الشائع بأن ارتفاع نسب السعر إلى الأرباح يضر بالأسهم، وأن انخفاضها مفيد. يمكننا دحض هذه الفرضية أيضًا في مختبرنا البحثي التاريخي، فمنذ عام 1998، بلغ متوسط نسبة السعر إلى الأرباح للأسهم السعودية (خلال 12 شهرًا ماضية) 22.8، وقد تجاوزت النسبة هذا المتوسط في 67 شهرًا حتى مايو 2024. وخلال الأشهر الـ12 التالية لذلك، انخفض مؤشر السوق السعودية (تداول) 21 مرة، وارتفع 46 مرة. نقيض ما تروّج له الحكمة التقليدية! ففي الـ250 شهرًا التي كانت فيها نسب السعر إلى الأرباح أقل من المتوسط، ارتفعت الأسواق خلال الأشهر الـ12 التالية في 173 مرة، وانخفضت في 77 مرة. ما الذي تشير إليه هذه الأرقام؟ أن الأسهم ترتفع في معظم الأحيان بغض النظر عن نسبة السعر إلى الربح، وليس على الرغم منها! الخلاصة:
التاريخ يثبت أن عديدا من المعتقدات الشائعة خاطئة. زيادة الضرائب؟ لم تثبت يومًا أنها ضارة بالأسواق العالمية أو الأمريكية أو بأي سوق مالي رئيسي على نحوٍ موثوق ومتكرر. تشهد بريطانيا ذلك حاليًّا، إذ ارتفعت الأسهم بقدر جيد رغم رفع ضريبة الرواتب في شهر أبريل. وكذلك الحال مع عجز الميزانية المرتفع. أو الحروب الإقليمية. أو تقلبات أسعار العملات صعودًا أو هبوطًا.
صحيح أن التاريخ لا يعيد نفسه بحذافيره. لكن الاستثمار لم يكن يومًا قائمًا على اليقين، بل على الاحتمالات. والتاريخ هو الإطار الذي يحدد تلك الاحتمالات. إذا ادَّعى البعض أن العامل (س) ضار بالأسهم ولكن البيانات تظهر أن الأرباح كانت جيدة في %70 من الحالات التي تَلَت حدوثه، فالأرجح أنه ليس ضارًا كما يُقال. لا يمكنك تجاهله تمامًا، لكن يمكنك أن تدرس ما الذي كان يجري في الـ %30 من الحالات التي كان فيها العامل "س" ضارًا. وربما تكتشف أن الأمر مجرد صدفة. ربما تكتشف أنَّ العامل (ص) كان له دور أيضًا، فتبحث في جميع المرات التي ظهر فيها لترى ما إذا كان تأثيره سلبيًّا في نحوٍ متكرر. فإن تحقق ذلك ووضعتَ يدك على المبرر الاقتصادي الرصين لآثاره السلبية صرتَ محظوظًا بمعلومة نفيسة تتفرد بها عن السواد الأعظم من الناس. ميزة قوية أخرى تمنحك قدرة على التفوق على الآخرين.
مجرد إثبات أن المعتقدات السائدة غير صحيحة يضعك في موقع متقدم. فالأسواق تُسعِّر مسبقًا كل المعلومات المعروفة على نطاق واسع، بما في ذلك المعتقدات والأساطير الشائعة. وعندما تتمكن من الاستثمار وأنت تعلم أن "الحكمة السائدة" خطأ، تتوفر أمامك فرص عديدة لركوب موجة المفاجآت الإيجابية للأسهم.