الحرب الاقتصادية والاستثمار القانوني
في مقالات سابقة عرجنا على الحرب بين المال الأمريكي والاقتصاد الصيني، واليوم وفي خضم هذا الصراع، أطرح عاملا استثماريا تستفيد منه السعودية خصوصاً في وقت هذا الصراع المحتدم، وأعني بذلك الاستثمار القانوني.
تراوح السوق العدلية العالمية بين (750 و850) مليار دولار سنوياً، وتستحوذ أمريكا منها على 56%، وتستحوذ أوروبا على 24%، وأما بقية دول العالم فتشترك بـ20% فقط، هذا مع جهالة حجم السوق العدلية الصينية والروسية، التي تعد أسواقاً لا تقل أهمية عن الأسواق العدلية الأمريكية والأوروبية، وقد يتضاعف حجم السوق العدلية لو تم الكشف الحقيقي عن تعامل هاتين العملاقتين بهما.
من هنا تتضح أهمية الاستثمارات العدلية وأن جذب هذه السوق إلى السعودية سيكون محط اهتمام عال لدى الدول لما تتمتع به السعودية ولله الحمد من قيادة حكيمة وقوة قانونية واستقرار اقتصادي. لكن السؤال الأهم، ما هو الاستثمار العدلي الدقيق الذي ينبغي الالتفات له.
فمن وجهة نظري، لا أجد أن للالتفات للقضاء التقليدي أو التحكيم عوامل جذب كبيرة، وذلك كون القضاء العام هو في الأصل غير استثماري ولا يبنى على الاستثمار، أما التحكيم فالدول قد تشبعت به، ووصل إلى أقصى نمو له عالمياً، ما يتوقع معه أن يشهد تراجعا فيما بعد، فهو على قمة الجبل الآن، وحتى لو سلمنا بقوة التحكيم فإن اقتطاع الكعكة العالمية فيه صعب جداً لتطور التحكيم في دول كثيرة.
الاستثمار الواعد الذي أنصح فيه هو الوساطة القانونية ذات الحكم البات، الذي ما زالت كثير من دول العالم لم تتعمق فيه بشدة ولم يصل حتى الآن إلى القوة القضائية التي يتمتع بها التحكيم إلا في أمور يسيرة غير استثمارية أو استثماراتها متواضعة، وما يهمنا هنا هو الاستثمار.
من هنا لو تم تطعيم الوساطة القانونية في السعودية بقوانين القضاء وأعطيت قوة التحكيم مع بقاء خاصية المرونة التي تتمتع بها الوساطة القانونية، سيكون هذا الاستثمار من أهم الاستثمارات خلال هذه الحرب الاقتصادية، وسنجد الشرق والغرب يتجهون إلى السعودية كطرف محايد لحل الإشكالات القانونية وعبر وساطة مرنة وقانون قضائي بات.
فلو افترضنا في الوقت الحالي تنازعا بين شركتين إحداهما صينية والأخرى أمريكية، بلا شك لن يتجه الطرفان إلا إلى بلد محايد، لكن حاليا لن يتجهوا إلا إلى التحكيم، الذي سيفرض مبالغ عالية وبطءا في الإجراءات مقارنة بالوساطة القانونية التي تتمتع بتكاليف أقل وسرعة في البت .يبقى العائق الحالي من وضع ختم الاعتماد القضائي بالقوة نفسها الممنوحة للتحكيم. وهذا ما يميز الوساطة حيث يمكن التسويق لها وللوسطاء بشكل أكبر من القضاء والتحكيم. من هنا فإن من المتوجب النظر في تعديل أنظمة الوساطة بأسرع وقت ممكن.