نفط الكويت .. ملامح التغيير
إلى وقت قريب وقريب جدا كانت الكويت مثار قلق كبير على مسارها الاقتصادي نتيجة التجاذب السياسي الداخلي بين الحكومة ومجلس الأمة، ولعل أبرز القطاعات الاقتصادية التي تأثرت سلبا بمثل هذه التجاذبات كان قطاع الطاقة الذي عانت الصناعة النفطية الكويتية فيه تباطؤا مثيرا للاهتمام كاد أن يشكل خطورة على مستقبلها وتطورها في ظل تتنامى قطاعات الطاقة حول العالم وتزايد معدلات الاستثمار لسد الاحتياج العالمي المتنامي من الطاقة بكل مصادرها.
بيد أن الاستثمار في القطاع النفطي الكويتي لم يكن حاجة ملحة وحرجة من المنظور العالمي فقط بل كان حاجة أساسية لدعم مدخولات الدولة التي تعتمد في مداخيلها بأكثر من 92% على النفط الخام لإنعاش الاقتصاد المحلي وتمويل المشروعات الحكومية ودفع عجلة التنمية الداخلية.
الحقول النفطية الكويتية كانت مهددة بالتراجع في حجم الإنتاج وحجم الاحتياطيات المثبتة وهي التي كانت تواجه مشكلة جيولوجية وتقنية حرجة ممثلة في زيادة حجم إنتاج الماء مقابل الزيت الخام الذي تضاءل بشكل أصبحت معه بعض الحقول غير مجدية في استمرارية الإنتاج تجاريا واقتصاديا، كما انخفض معه إنتاج بعض الحقول الكويتية حتى وصلت إلى مراحل متأخرة.
في ظل مثل هذه الأوضاع كان الاستثمار في حقول جديدة وفي استكشافات أخرى يمثل ليس حلا عاجلا فقط بل ضرورة ماسة للحفاظ على معدلات الإنتاج الحالية وتطوير السعة الإنتاجية الكويتية التي بدأت بالتأثر.
وبعد التغييرات الأخيرة في الكويت التي شملت تغييرات سياسية وحكومية تسارعت معها الحصول على الموافقات اللازمة لمشروعات استكشافية وإقرار ميزانيات ومشروعات تمويلية بعيدا عن التجاذبات بين مجلس الوزراء ومجلس الأمة ظهرت ملامح التغيير الذي انعكس على الصناعة النفطية وقطاع الطاقة مثل مجمل الأنشطة الاقتصادية وإن كانت في بواكيرها ولم تفض للنتائج النهائية وليس من المتوقع أن تفعل في مثل هذا الوقت القصير.
فالكويت سرعت من وتيرة استعداداتها مع جارتها السعودية لتطوير حقل الدرة الحقل الذي تأمل كلتا الدولتان الاستفادة من إمكانات الغاز الهائلة التي سيوفرها ومضت قدما بالمراحل الاستشارية ووضع الخطط والبرامج الكفيلة بالاستثمار في هذا الحقل الغني بموارد الغاز.
الكويت أعلنت أخيرا اكتشافا كبيرا في حقل النوخذة البحري الذي كشف أرقاما تقديرية تشير إلى أنه يشكل حجم إنتاج الدولة اليومي بأكمله لمدة ثلاث سنوات.
أشارت الأرقام القادمة من الحقل المغمور قبالة شواطئ الكويت في الخليج العربي إلى أن الإمكانات في مثل هذا الحقل هائلة ومشجعة لمزيد من مشروعات الاستكشاف في المياه البحرية الإقليمية بل حتى مشروعات التنقيب والاستكشاف والصيانة والإنتاج على اليابسة في أرض الكويت في ظل تنامي الفرص في قطاعات الطاقة بأكملها التقليدية منها كالنفط والغاز أو المتجددة التي تنوي الكويت خوض غمار مثل هذا التحدي.
لقد بين الاكتشاف الهائل في حقل النوخذة أن النفط المقدر في باطن هذا الحقل من الإنتاج اليومي من طبقة المناقيش الجيولوجية يصل إلى نحو 2800 برميل من النفط الخفيف و7 ملايين متر مكعب من الغاز المصاحب.
وأشارت التقديرات الأولية لمخزون الموارد الهيدروكربونية الموجودة في الطبقة بنحو 2.1 مليار برميل من النفط الخفيف و5.1 تريليون قدم مكعب قياسية من الغاز وبما يعادل 3.2 مليار برميل نفط مكافئ.
مثل هذا الاكتشاف قد يفتح شهية الكويتيين لإضافة مزيد وضخ مزيد من الاستثمارات في قطاع النفط والطاقة عامة وقد يأذن بعصر اقتصادي جديد بدأت ملامحه تتبلور.