"صراع" البيت الأبيض و"الفيدرالي"

الخلافات في الرؤى الاقتصادية بين رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب ورئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي" جيروم باول، كان مضمون الوقوع فور وصول ترمب إلى الأبيض. الأولويات عند الرجلين تتفاوت جداً، ومفهوم التعاطي مع السوق مختلف بينهما. ما يريده الرئيس الأمريكي سريعاً، لا يقدر باول على القيام به، حيث يستند إلى "مدرسة" اقتصادية تقليدية تستهدف الاستدامة، ولا تقبل "الإنجازات الطيارة"، أي التي لا يمكن أن تشكل قاعدة للانطلاق نحو النمو الثابت والقوي.

ليس من المبالغة القول، إن ما يحدث بين البيت الأبيض و"المجلس الاحتياطي"، هو "صراع" حقيقي، سينعكس سلباً إذا ما تعمق أكثر، على الساحة الأمريكية والعالمية على حد سواء. هذا "الصراع" لم يعد بين مؤسستين وطنيتين، بل بين شخصيتين.

ترمب يريد بأي ثمن خفضاً كبيراً للفائدة قبل نهاية العام الحالي، لتحقيق مستهدفات شعبوية معروفة للجميع، إلا أن جيروم بأول مستمر في المقاومة، حتى بعد أن تلقى تهديدات علنية متكررة بإقالته. فالنتائج السريعة التي يسعى البيت الأبيض إليها، تختلف تماماً عن الاستقرار المالي طويل الأمد. السياسة النقدية التوسعية التي يرغب ترمب بها، والتي لا يمكن أن تتحقق إلا بخفض كبير لتكاليف الاقتراض، تتعارض تماماً مع الاستقلالية التي يتمتع بها (دستورياً) المجلس الاحتياطي الفيدرالي. فهذا الأخير متمسك بنقطة تعد الأكثر محورية بالنسبة له، وهي تتركز في تحقيق أهداف التضخم، ولا سيما بعدما أكثر من عامين عانت خلالهما البلاد (والعالم عموماً)، من ارتفاعات هائلة لأسعار المستهلكين.

لن يتوقف الرئيس الأمريكي عن سعيه لتوفير الأجواء لإقالة بأول مبكراً، علماً بآن ولاية الأخير تنتهي في منتصف العام المقبل، إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة. ولو كان قادراً على ذلك لفعلها منذ اليوم الأول. "الصراع" بين المؤسستين السياسية والمالية على الساحة الأمريكية، يعني ببساطة وضع كل المكتسبات الاقتصادية السابقة في دائرة الخطر، ولا سيما فيهما يرتبط بالتضخم، الذي لا يزال أعلى من المستوى المستهدف عند 2 %.

لا يمكن لباول ولا أي رئيس "طبيعي" لـ "الفيدرالي" المخاطرة من جهة الفائدة. صحيح أنها الأعلى مقارنة بكل الاقتصادات المتقدمة، (ما بين 4.25 و 4.50 %) إلا أن الصحيح أيضاً أن الاقتصاد الأمريكي لا يتحمل أي هزة من هذه "الجبهة؛ التي لا تزال غير مستقرة. ماذا يزيد ترمب؟ خفض بمعدل 2.5 % قبل نهاية العام الجاري.

لا يتوقف "الصراع" بين "الفيدرالي" والبيت الأبيض، بل من المتوقع أن تشتد الخلافات في الأشهر القليلة المقبلة. فشعار الرئيس الأمريكي هو أن المشرعين الأمريكيين يعيقون النمو الاقتصادي، بل ويهددون أسواق المال. إلا أن الصورة ليس بهذا الشكل، خصوصاً أن استقرار أسعار المستهلكين يبقى الهدف الأول لأي مشرع يريد أن يحقق نمواً متوازناً وأكثر استدامة على الساحة المحلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي