هل بدأ "المركزي الأوروبي" دورة التيسير النقدي العالمي؟
كما كان متوقع أعلن البنك المركزي الأوروبي في اجتماعه الأخير خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس لتتراجع إلى 4.25 % وذلك بعد دورة من التشديد النقدي استمرت من يوليو 2022 بعد اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية ولتبدأ بذلك مرحلة من التيسير النقدي في الاقتصاد الأوروبي المنهك، البدء في خفض الفائدة جاء بعد أن نجح البنك في السيطرة على التضخم بشكل ملحوظ حتى وإن لم يستطع الوصول إلى المستويات المستهدفة البالغة 2 % التي ظل يتمسك بها طوال الشهور الماضية، حيث انخفض التضخم في منطقة اليورو من ذروته في أكتوبر 2022 عندما سجل 10.6 % متأثرا بالصدمة التي ضربت أسواق الطاقة والغذاء العالمية، ليبدأ بعد ذلك مسيرة التراجع ليصل في أبريل من 2024 إلى 2.4 % قبل أن يرتفع مجددا في مايو من نفس العام إلى 2.6 %.
ولكن عملية التحول إلى خفض الفائدة قبل الوصول لمستهدف التضخم تفسرها أسباب أخرى، فقد عانى الاقتصاد الأوروبي ضعف كبير في معدلات النمو وسجلت بعد الاقتصادات داخله معدلات انكماش منذ بداية دورة التشديد النقدي، فوفقا لبيانات صندوق النقد الدولي فقد سجل اقتصاد منطقة اليورو معدل نمو وصل إلى 0.4 % خلال 2023 مع توقعات بأن يستمر النمو الضعيف ليصل إلى 0.8 % خلال 2024، في ألمانيا أكبر اقتصادات القارة، سجل اقتصادها انكماشا بنسبة 0.3 % خلال 2023، بينما يتوقع أن تنمو بمعدل طفيف خلال 2024 يصل إلى 0.2 %، بينما عند النظر إلى الولايات المتحدة التي تجاوزت فيها الفائدة القارة الأوروبية فإن اقتصادها لم يتأثر بشكل كبير، حيث سجلت نموا وصل إلى 2.5 % خلال 2023 مع توقعات بأن يرتفع ويصل إلى 2.7 % خلال العام الحالي.
كلمة السر في التباطؤ الاقتصادي في أوروبا ترجع إلى حالة الشك التي أصابت المستهلكين والمنتجين في القارة العجوز، فعلى عكس الولايات المتحدة التي قاد فيها الإنفاق الاستهلاكي الخاص عملية النمو خلال دورة التشديد النقدي، فتبدو معدلات الطلب في القارة الأوروبية في أسوأ حالاتها، حيث كبلت فواتير الطاقة والغذاء المرتفعة التي أوجدتها الأزمة الروسية الأوكرانية مع انقطاع إمدادات الغاز الرخيص القادم من روسيا قدرة المستهلكين على الإنفاق وذلك في الوقت الذي عانت فيه الشركات الأوروبية بسبب ارتفاع تكلفة عوامل الإنتاج وعلى رأسها الطاقة إضافة إلى الضغوطات العمالية المطالبة برفع مستويات الأجور لمجابهة التضخم، إضافة إلى تقييد الفائدة المرتفعة قدرة الشركات على الاقتراض والتوسع في الإنتاج، ارتفاع الفائدة ترك أيضا ضغوطا شديدة على الحكومات والمالية العامة الأوروبية، ففي ظل ارتفاع النفقات ومع ارتفاع تكلفة الاستدانة وانخفاض الإيرادات أدى ذلك إلى ارتفاع العجز في الموازنات الحكومية وتركت أثرها في النهاية على معدلات الدين.
خطوة البنك المركزي الأوروبي من المتوقع أن تكون دافع أساسي لكبرى البنوك المركزية في العالم، على سبيل المثال خفض بنك كندا ض معدل الفائدة بواقع 25 نقطة أساس خلال اجتماعه الأخير في دليل على اتجاه البنوك المركزية على تبني التيسير النقدي في الفترة المقبلة، العامل الأهم أنه قد يدفع الفيدرالي لتجاهل مستهدف التضخم والبدء خلال العام الحالي في عملية الخفض وذلك بعد تكهنات سابقة بصعوبة البدء خلال 2024 مع استمرار ارتفاع التضخم وقوة الاستهلاك، ولكن الضغوطات الكبيرة التي يواجهها من سوق العمل بجانب رغبة الرئيس بايدن في خفض الفائدة قبل بدء الانتخابات الرئاسية ستكون حاسمة في اتخاذ قرار البدء بدورة التيسير النقدي.
المستفيد الأكبر من الزخم الذي تكتسبه سياسة التيسير النقدي هي الأسواق الناشئة التي عانت خلال العاميين الأخيرين تبعات رفع الفائدة من البنوك الكبرى في العالم، فمن ناحية تدهورت قيمة عملاتها بسبب خروج الاستثمارات في أدوات الدين الخاصة ما أدى إلى تآكل قيمة العملات المحلية وانهيار الاحتياطيات من النقد الأجنبي إضافة إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض الخارجي، بالتالي ستمنح تلك الخطوة دفعة هامة للاقتصادات الناشئة وتسهم في تخفيف الضغط على عملاتها وتساعدها على الوصول إلى التمويل الدولي بأسعار فائدة مناسبة لا ترهق الميزانيات المحلية.