التنمية المستدامة.. والمسؤولية الاجتماعية

لعل وثيقة "أهداف التنمية المستدامة SDG" هي أشهر وثيقة، متداولة على مستوى العالم، تحمل في عنوانها تعبير التنمية المستدامة. صدرت هذه الوثيقة عن منظمة الأمم المتحدة عام 2015 لتحدد طموحات التنمية في العالم حتى 2030. وتمثلت هذه الطموحات في 17 هدفا، باتت مرجعية لمختلف إصدارات هذه المنظمة في مجال تطلعاتها التنموية. ورغم بديهية فكرة التنمية المستدامة، إلا أن هناك تعريفا لها وضعته وثيقة صادرة أيضا عن الأمم المتحدة عام 1987، بعنوان "مستقبلنا المشترك". تقول وثيقة مستقبلنا المشترك: إن التنمية المستدامة تسعى إلى الاستجابة لمتطلبات الوضع الراهن في تحقيق حياة كريمة للإنسان، على أن لا يؤثر ذلك سلبا في قدرة الأجيال القادمة على الاستجابة لمتطلباتهم في تحقيق مثل هذه الحياة أيضا. أي أن إنسان المستقبل يجب أن يكون حاضرا دائما، فيما يقوم به إنسان اليوم على أرض الواقع. وقد حددت وثيقة صادرة عن الحكومة الأمريكية 1993 ثلاثة أعمدة رئيسة لاستدامة التنمية. وشملت موضوعات هذه الأعمدة موضوع البيئة ومصادرها الطبيعية ومتطلبات المحافظة عليها، وموضوع الفعاليات الاقتصادية وعطائها المادي، إضافة إلى موضوع النشاطات الاجتماعية والإنسانية. وهناك بالطبع تداخل بين شؤون هذه الموضوعات الثلاثة، فهي تتكامل معا في خدمة التنمية المستدامة. ويأتي هنا دور المسؤولية الاجتماعية مرتبطا بهذه الموضوعات، وداعما لها في مسيرة العمل على تحقيق التنمية المنشودة. وتقع هذه المسؤولية ليس على عاتق المؤسسات فقط، وإنما على عاتق الأفراد أيضا. يمكن القول، في نظرة عامة إلى المسؤولية الاجتماعية، إنها منظومة أخلاقية تشمل كلا من الأفراد والمؤسسات، وتتمثل في سلوك مسؤول يحرص على مصالح المجتمع. ويشمل ذلك تفعيل أدائه الاقتصادي، والمحافظة على البيئة، إلى جانب خدمة المجتمع، وتأمين التوافق الاجتماعي. وكثيرا ما تقوم الدول بوضع تشريعات وقوانين لتفعيل هذه المنظومة الأخلاقية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن لدى هيئة المعايير الدولية، التابعة للأمم المتحدة، وثيقة توصيات للمؤسسات بشأن المسؤولية الاجتماعية، وتحمل هذه الوثيقة الرمز ISO 26000. تستهدف توصيات الوثيقة الدولية، للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، الإسهام في التنمية المستدامة. وتنظر إلى هذه المسؤولية من خلال ثلاثة أطراف رئيسة، طرف مركزي هو المؤسسة التي عليها المسؤولية، ثم الطرف المؤثر فيها، وهو طرف أصحابها والمرتبطين بها، وطرف المجتمع المتأثر بها وبمسؤوليتها تجاهه. وبالطبع لا يأتي التأثير باتجاه واحد، من أصحاب المؤسسة إلى المؤسسة ثم المجتمع، بل إن له اتجاها معاكسا أيضا يتمثل في متطلبات المجتمع التي تؤثر في المؤسسة، إضافة إلى مدى نجاح المؤسسة الذي يؤثر في أصحابها أيضا. تطرح الوثيقة سبعة أهداف للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات. أول هذه الأهداف هو إدراك المؤسسة لهذه المسؤولية. أما الهدف الثاني فهو الشفافية في اتخاذ القرارات بشأنها. ويركز الهدف الثالث على أخلاقيات السلوك المطلوبة في تنفيذها. ويهتم الرابع بأثر أصحابها والمرتبطين بها. ثم يحرص الخامس على الالتزام بالقوانين والتشريعات المنظمة لمتطلباتها. ويبرز السادس ضرورة احترام المعطيات الدولية بشأنها. ويؤكد السابع مسألة حقوق أبناء المجتمع في إطار جوانبها المختلفة. تتطلع رؤية السعودية 2030 إلى تحقيق التنمية المستدامة. وتبرز، في سبيل تفعيل المسيرة نحو هذه التنمية، مسألة الالتزام بمنظومة أخلاقيات المسؤولية الاجتماعية كوسيلة لدفع هذه المسيرة إلى الأمام، على كل من مستوى المؤسسات ومستوى الأفراد. وإذا كان ذلك يتطلب قوانين وتشريعات يجب الالتزام بها، فإن الأمل أن يكون هذا الأمر ذاتيا من كل فرد في إطار حياته الشخصية، وفي قيادته للمؤسسات كلها على السواء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي