Author

الابتكارات في هندسة وتطوير المدن

|

*أستاذ وباحث في الهندسة والأنظمة الابتكارية

إن الابتكارات في هندسة وتطوير المدن من أهم المجالات التي تشهد تطورا مستمرا وتأثيرا عميقا في حياة البشر في العصر الحديث، فالمدن بالطبع هي مراكز النشاط الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وهي في الواقع تواجه تحديات متعددة تراوح بين التلوث البيئي وزيادة السكان والازدحام المروري ونقص الموارد الطبيعية وغيرها من كثير من التحديات، ومن أجل مواجهة هذه التحديات وإيجاد حلول مستدامة لها، يأتي مفهوم الابتكار الذي يلعب دورا حاسما في مواجهتها وفي تطوير المدن وتحسين جودة حياة سكانها، وقد تحدثت في مقال سابق عن جاذبية المدن الذكية للشركات والمستثمرين الابتكاريين، وأنها تعد نموذجا متطورا ومبتكرا في مجال التخطيط الحضري، حيث يسهم ذلك في رفع جودة الحياة وإيجاد بيئة اقتصادية مزدهرة.
إلا أن التحديات التي تواجه عملية تطوير المدن عموما متنوعة وتختلف من مدينة إلى أخرى، وتعتمد على عوامل عديدة مثل الكثافة السكانية، والتنمية الاقتصادية، والبنية التحتية الحالية. لكن بصفة عامة، الاستفادة من التطور السريع في التكنولوجيا والابتكارات في هذا المجال تتمثل في تطوير وتبني الحلول التكنولوجية والاستراتيجيات الهندسية التي تعمل على تحسين جودة الحياة الحضرية وتعزيز استدامتها، ومن أبرز مظاهر هذه الابتكارات تلك التي تتمحور حول هندسة تطوير المدن وتكمن في استخدامات التكنولوجيا الحديثة، الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتحليلات الضخمة للبيانات وفي إدارة البنية التحتية وتقديم الخدمات العامة بفاعلية وكفاءة أكثر، فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام المستشعرات والذكاء الاصطناعي في تحسين نظم النقل العام لتقليل الازدحام وتحسين كفاءة المواصلات وتقليل التشوه البصري، وكذلك في تحليل البيانات لتحديد الاحتياجات الحالية والتوقعات المستقبلية لتوجيه عمليات التخطيط والتطوير، كما تشمل هذه الابتكارات أيضا تصميم وتطوير بنية تحتية مستدامة وذكية، مثل استخدام مواد بناء متجددة وتكنولوجيا البناء الذكي لتقليل استهلاك الطاقة والمياه، وتحسين جودة الهواء والبيئة، كما تلعب الابتكارات أيضاً مثل الطاقة المتجددة والمباني الخضراء دورا في استدامة المدن من خلال تقليل الانبعاثات والنفايات والحفاظ على الموارد، فعلى سبيل المثال، وخلال زيارتي أخيرا للولايات المتحدة، وجدت أنهم يستخدمون في بعض المدن حرارة النفايات من محطات الطاقة لتدفئة منازلهم، وهذه المدن تعمل على أن تكون محايدة أو صفرية من الكربون بحلول 2030.
ولا شك أن التخطيط الحضري يأخذ دورا أساسيا في عملية تطوير هذه المدن، حيث يهدف إلى تحديد الاحتياجات الحالية والمستقبلية للمجتمعات الحضرية وتوجيه عمليات التطوير والبناء بشكل منظم ومتكامل ويتم ذلك من خلال تحليل البيئة الحضرية والاقتصادية والاجتماعية للمدينة، ووضع الخطط والاستراتيجيات التي تضمن استخدام الأراضي والموارد المالية بكفاءة وفاعلية، وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة وتحسين جودة الحياة عموما.
وفي الختام، تمثل الابتكارات في هندسة تطوير المدن تحديا كبيرا ومستمرا ومتعدد الأبعاد، وأرى أنه للتغلب على جميع التحديات في هذا الإطار والنجاح، لا بد أن يكون هنالك مركز وطني لدعم اتخاذ القرار يعمل على توحيد التشريعات والانظمة للتخطيط الحضري المبني على البحث والابتكار بما يضمن التناغم مع أهداف رؤية 2030، ويكون هذا المركز رابطا وحلقة مكملة للشراكات والتعاونات بين مختلف الأطراف المعنية بهذا الشأن، ما يؤدي إلى تحقيق مدن أكثر استدامة وذكاء ورفاهية للجميع.

إنشرها