هدر منافع التدوير
تتفاقم أزمة النفايات الإلكترونية حول العالم، من جوانب عدة. ورغم الحملات التي تقوم بها الجهات المختصة لتوعية الناس بأهمية هذه النفايات ليس فقط لحماية البيئة، بل لما فيها من مواد أساسية مطلوبة في الصناعات الإلكترونية عموما. يضاف إلى ذلك، أن هناك نفايات تمثل خطرا على الصحة العامة، خصوصا إذا ما تم التخلص منها بصورة عشوائية.
ومن المنتظر أن يواجه العالم مشكلة خطيرة تتعلق بالمخلفات الإلكترونية في الأعوام المقبلة، إذ أكد المنتدى الدولي لنفايات المعدات الكهربائية والإلكترونية أن 5.3 مليار هاتف محمول تم رميها في مكبات النفايات في 2022 وحده. وأن إلقاء هذا الكم من النفايات الإلكترونية سيعني أن كثيرا من المعادن الثمينة، التي لا يمكن استخلاصها من نفايات الأجهزة -مثل النحاس في الأسلاك أو الكوبالت في البطاريات القابلة لإعادة الشحن- يجب أن يتم تعدينها، وهو أمر يتسبب في تلويث البيئة.
والمشكلة أن حملات التوعية هذه لم تحقق غاياتها، الأمر الذي يفسر ارتفاع حجم هذه النفايات، بما في ذلك في مناطق تقدم بعض الجهات أموالا رمزية لمن يرغب في التخلص من ممتلكاته الإلكترونية القديمة. ومسألة النفايات الإلكترونية تدخل مباشرة في صلب النشاط العالمي لتعزيز الطاقة الخضراء، ولا سيما أن الحكومات حول العالم التزمت بجداول زمنية للوصول إلى المستويات المأمولة في مجال حماية المناخ عموما. فأغلبية هذه الأجهزة تدخل في تركيبتها مواد مهمة ومطلوبة مثل الليثيوم والذهب والفضة والنحاس. وفي الأعوام الماضية ارتفع الطلب عليها إلى مستويات كبيرة، بل شهدت بعض الجهات المنتجة للأجهزة الإلكترونية نقصا في الإمدادات، ما رفع أسعارها. وفي العامين الماضيين، أسهمت الاضطرابات في سلاسل التوريد عموما في مزيد من النقص. وتقدر الجهات المختصة، أن قيمة المواد في السلع الإلكترونية التي يتم التخلص منها، تصل إلى عشرة مليارات دولار سنويا. وفي حال تم الوصول إليها، سيخفف الضغط في مجال الطلب عليها.
والملاحظ أن الأمر يزداد اضطرابا أكثر، عندما نعرف أنه في أوروبا وحدها، يزداد الطلب على مادة النحاس ست مرات بحلول 2030، لماذا؟ لأنها تدخل مباشرة في الطاقة المتجددة والفضاء والاتصالات، وصناعات السلاح. ويمكن بالفعل تضييق مساحة رمي النفايات الإلكترونية عبر مزيد من حملات التوعية الاجتماعية، إلا أن هذا يتطلب مجهودات كبيرة، وربما إغراءات مالية، كما يحدث على صعيد جمع مواد البلاستيك والورق والصفائح المعدنية الرقيقة، وغيرها من تلك التي يمكن إعادة تدويرها، وتوفر في الوقت نفسه حماية للبيئة العامة. ولا شك أن هدف دعم الطاقة الخضراء عبر حراك أكثر تنظيما في جمع النفايات الإلكترونية، يبقى الأهم والأشمل، ولا سيما في ظل التعهدات الدولية في هذا المجال.
لكن الأزمة ليست مرتبطة فقط بعدم وصول النفايات الإلكترونية إلى الساحة اللازمة لها، بل تشمل أيضا عجزا كبيرا في إعادة تدويرها. فوفق المنتدى الاقتصادي العالمي، ينتج العالم نحو 50 مليون طن متري من هذه النفايات سنويا. ماذا يحدث؟ يتم إعادة تدوير 20 في المائة فقط منها، ما يطرح أسئلة في هذا الميدان لا بد من تقديم الإجابات حولها. ومن المتوقع أن يتضاعف حجم النفايات إلى 120 مليون طن متري بحلول 2030. بالطبع لا يمكن إغفال حقيقة أن هناك نفايات غير مرئية ما يزيد من صعوبة حملات التوعية عموما. فهذه المواد غير المرئية تصل كمياتها إلى تسعة مليارات كيلوجرام على المستوى العالمي. ومن المتوقع أن ترتفع بالطبع في غضون الأعوام المقبلة.
وفي النهاية، المسألة ترتبط بالجهات المختصة والأفراد في آن معا، خصوصا أن هذه الجهات لم تتمكن حتى الآن من إعادة تدوير إلا 20 في المائة فقط من إجمالي النفايات الإلكترونية. ويبدو واضحا أنه إذا تمت إدارة هذه الأزمة بصورة جدية، فإن العوائد ستكون إيجابية من كل الجوانب، ولا سيما البيئية منها.