تحركات اليوان .. انتعاش بحذر

مكانة اليوان الصيني على المستوى العالمي لا تعكس قوة الاقتصاد الصيني، هذا ما نراه على أرض الواقع منذ أعوام طويلة، وما تؤكده تصريحات بعض الخبراء الدوليين، كما ورد في تقرير صحيفة "الاقتصادية" السبت الماضي "العاشر من حزيران (يونيو)"، حول تأثير تسليح الدولار في العملة الصينية.
اليوان الذي حقق مكتسبات لا بأس بها في الأعوام القليلة الماضية حيث قفز من المرتبة الـ35 لأكثر العملات تداولا في 2011 إلى المرتبة الخامسة حاليا، ولا يزال يحظى بنسبة متدنية من حجم المدفوعات الدولية، مقارنة بالدولار واليورو، وكذلك لا تزال نسبة اليوان في الاحتياطيات العالمية ضعيفة، دون 3 في المائة.
الخبراء الذين استطلعت آراءهم صحيفة "الاقتصادية" يرون أن قرار الحكومة الأمريكية في استخدام الدولار الأمريكي كسلاح لحل النزاع بين روسيا وأوكرانيا، ربما يرفع من مكانة اليوان الصيني عالميا، وأنه أيا كانت نتائج الحرب فإن مكانة اليوان كعملة دولية ستتحسن بشكل كبير على الرغم من طول الطريق أمام العملة الصينية لتحقيق مرادها.
يرى الخبراء أن حظوظ الصين في تعزيز واقع اليوان على المستوى العالمي انطلقت من فرصة رفع مستوى العلاقات التجارية مع روسيا، حيث ارتفعت حصة اليوان في تسويات الواردات الروسية من 4 إلى 23 في المائة العام الماضي، وزاد استخدام اليوان لشراء السلع الروسية، كالنفط والفحم وبعض المعادن، وذلك بدلا من الدولار.
من جهة أخرى، من المعروف أن الصين لا تحبذ تقوية اليوان بشكل كبير أمام العملات الدولية لأسباب تنافسية، ولذا نجد أن الدولة تدير سعر الصرف بآليات معينة تمنع انخفاض أسعار صرف الدولار واليورو للإبقاء على جاذبية المنتجات الصينية. في أوائل العام الماضي بدأ انخفاض سعر صرف اليوان الصيني عقب انطلاق الحرب الروسية-الأوكرانية وبدء مسلسل رفع معدلات الفائدة، فانخفض اليوان من مستويات قوية بحدود 6.3 إلى أن تجاوز 7.2 يوان للدولار في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، وذلك تجاوبا مع المتغيرات الدولية وارتفاع نسب التضخم وانخفاض القوة الشرائية في الغرب.
حصل هناك انتعاش لليوان منذ ذلك الوقت، أكتوبر 2022، عندما ظهرت هناك بوادر تحسن في تراجع وتيرة التضخم في أمريكا وبعض الدول الأوروبية، فارتفع اليوان أمام الدولار إلى 6.7 يوان بداية 2023، إلا أن الدولار عاد مجددا بالصعود إلى نحو 7.13 يوان حاليا.
أسباب صعود الدولار في الفترة الأخيرة، أو بمعنى آخر تراجع قوة اليوان، يعود إلى تراجع مستويات التضخم في الصين عن المتوقع، حيث يصل التضخم إلى حدود 0.2 في المائة على أساس سنوي، وبالتالي يعتقد بأن تراجع التضخم يدل على تباطؤ النشاط الاقتصادي وضعف جاذبية اليوان، ولا سيما أن المقياس الآخر للتضخم الذي يرصد أسعار المنتجين هو الآخر في تراجع حقيقي بنسب سنوية سلبية.
كذلك هناك تراجع في حجم الصادرات الصينية ما يؤثر سلبا في حجم فائض الميزان التجاري الذي انخفض في أيار (مايو) الماضي على أساس سنوي من 78 إلى 66 مليار دولار، في حين كانت التوقعات أن يأتي الفائض بحدود 92 مليار دولار. وبالطبع هناك تراجع في نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ فقط 3 في المائة في 2022، وهو الأقل منذ 1976، باستثناء 2020.
للتغلب على هذه التحديات الاقتصادية فإن السياسة النقدية الصينية تعتمد على عدة سياسات نقدية ومالية للتحكم بتدفق الأموال لحماية الاقتصاد الصيني، ولذا هناك في واقع الأمر سعر صرف آخر لليوان الصيني، ما يعرف باليوان خارج الأراضي الصينية، وهو وسيلة لتداول اليوان بمعزل عن الاقتصاد الداخلي، ويتم تداوله في هونج كونج ودول أخرى بلا قيود على حجم العمليات، وهو دائما قريب للسعر داخل الصين ويتأثر بقرارات الحكومة الصينية الداخلية.
سوء استخدام قوة الدولار الأمريكي ومكانته العالمية من قبل الحكومة الأمريكية لا شك أنه بدأ يؤدي إلى نتائج عكسية على الولايات المتحدة، من جهة أخرى يظهر أن ذلك بدأ يفتح المجال لانتعاش عملات أخرى، بل إن ذلك أدى إلى بروز تكتلات اقتصادية كبرى منافسة، وأدى كذلك إلى بروز وسائل دفع وتسويات بديلة للدولار واليورو.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي