قمة الكلمة الجامعة
الدورة العادية الـ32 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في جدة، لم تكن عادية، ودخلت حقا التاريخ العربي من أوسع أبوابه، وحققت خطوات نوعية على صعيد العمل العربي المشترك، من جهة روابط العرب إقليميا وعالميا. هذه القمة تستحق وصفها بـ"قمة القمم"، أو "قمة التنمية"، أو "قمة التصالح"، أو "قمة الحكمة"، أو أي توصيف يعكس أهميتها واستراتيجيتها ومحوريتها، ويظهر ضرورتها للمنطقة العربية ككل وللعالم أجمع.
المملكة العربية السعودية التي نجحت حقا في إتمام قمة عربية في الوقت الحرج، انحازت إلى الواقعية، وإلى كل ما يصب في مصلحة شعوب المنطقة عربا وغير عرب، كما أنها أسست علاقة متجددة تقوم على الواقعية مع المجتمع الدولي. وهذه النقطة الأخيرة تعد في حد ذاتها إنجازا يحتاج إليه العرب منذ زمن. ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كان واضحا قبل القمة وبعدها، ليس فقط في مواقف بلاده حيال القضايا المطروحة على الساحة، بل تجاه مستقبل المنطقة ككل. كما أنه لخص الحالة العامة في كلمة جامعة بما يفيد التغييرات المطلوبة في السياسات العربية لمواكبة المتغيرات بصورة عامة. وانطلق من هذا الفهم على أسس واقعية، ما هي؟
إن الوطن العربي يملك من المقومات الحضارية والثقافية والموارد البشرية والطبيعية الكثير، وهذا ما يؤهله بالطبع لأن يحتل مكانة متقدمة وقيادية. ماذا يعني ذلك؟ "يعني أن العالم العربي قادر بقوة على تحقيق نهضة شاملة، تضع في رأسها اعتبارات التنمية والسلام والاستقرار. وهذا أمر ليس صعبا لكتلة عربية تمتلك حقا كل المقومات اللازمة للانطلاق من جديد. إن الأمر يحتاج إلى مواقف واقعية ليس أكثر".
ولن تسمح المملكة بالتعاون مع أشقائها العرب بتحول المنطقة العربية إلى ميادين للصراعات والتدخلات، وهذا مرفوض رفضا باتا، وهذا الجانب يوفر لكل العرب مزيدا من المساحات للانطلاق إلى آفاق السلام والازدهار والنماء بما يستحقه المواطن العربي أينما كان. والتاريخ أظهر حقا عوائد وسلبيات الصراعات في كل مناطق العالم، وهي بالتأكيد كارثية ومدمرة. النقطة الأهم في رؤية الأمير محمد بن سلمان، أن تحقق المنطقة العربية مصالحها وتحافظ عليها وتؤسس مزيدا من الازدهار، وهذا يمكن أن يتم عبر الاستراتيجيات البعيدة عن الصراعات والخلافات والمقاطعات والتوترات وغيرها من المسببات الكارثية. والأهم أن يتم طي صفحة الماضي، من أجل تنفيذ البرامج التي تستحقها الشعوب العربية. والواقعية التي يستند إليها موقف الرياض، تحتم أن تكون هناك حلول وسط لكل شيء.
حتى المملكة التزمت الواقعية في قبول عودة علاقاتها الطبيعية مع إيران، وكذلك الأمر بالنسبة إلى فتح واسع للملف السوري عبر قبول بشار الأسد في القمة لأول مرة منذ 12 عاما. فالهدف ليس عودة سورية إلى الجامعة العربية فقط، بل حل الأزمة السورية المعقدة والكارثية على السوريين قبل غيرهم. الحلول هي الهدف والتفاهمات واستخدام لغة الحوار يجب أن تكون في المقدمة وحاضرة لطرح الحلول المرضية لجميع الأطراف، سواء في الأزمة اليمنية أو السودانية أو حتى الأوكرانية، التي شهدت حضورا تاريخيا في قمة جدة. بما أن آخر استمرار الصراعات لن ينتج إلا الدمار والخراب، ما ينعكس مباشرة على الناس هنا وهناك. وفي المقابل ليس أفضل من التعاون والتفاهم والتسويات لأي أزمة، بما في ذلك القضية الفلسطينية. وهذا ما أكده وشدد عليه ولي العهد السعودي.
قضية فلسطين في المفهوم السعودي ظلت في موقعها المحوري في المنطقة كلها، وبقيت أساسا للتحرك السعودي في كل الساحات. فلا تراجع عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، ولا تنازل عن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، ولا توقف عن دعم الأشقاء في فلسطين بكل ما يحتاجون إليه في معيشتهم وتنميتهم. إنها سياسة لن تتغير، بصرف النظر عن أي تطورات أو متغيرات. وبالفعل ولي العهد وضع استراتيجيته على أساس الخير والتعاون والبناء، وبالطبع السلام الذي ينبغي أن ينشده الجميع.