لمكتسبات الوطن وحماية مواطنيه
تشن السعودية حربا ضروسا ضد المخدرات، سواء بالملاحقات الأمنية أو إطلاق الحملات التوعوية أو الرعاية الصحية والاجتماعية، مستهدفة إشراك عناصر المجتمع كافة في الحرب على جميع أنواع الإدمان وتعاطي المواد المخدرة.
لم تقتصر المشاركة على رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بل شاركت الحسابات الحكومية الرسمية وحسابات الجهات المشاركة في الحملات سواء الأمنية أو الطبية وكذلك الرقابية والاجتماعية، إذ تتزامن الحرب التي تقودها الرياض خلال هذه الفترة مع تزايد موجات تستهدف المملكة بهذه الآفة الخطرة، حيث يتم تهريب كميات كبيرة بين الحين والآخر لتدمير المجتمع السعودي، خاصة بين أوساط الشباب، وتأتي هذه الحملة بالتزامن مع ازدياد حالات مصادرة مواد مخدرة تم اكتشافها عند المعابر الحدودية أو خلال تنفيذ عمليات مداهمة أمنية. وتركز الحملة على التصدي لما يسمى بمخدر "الشبو" أو الكريستال، إذ يعدان من أخطر أنواع المخدرات. وتفاعلت مع هذه الحملة الواسعة جهات كبيرة ومتنوعة لمحاربة الإدمان. وتمثل «الحرب على المخدرات»، في السعودية، نموذجا فريدا في محاربة الآفة التي تشكل خطرا على المجتمعات، من حيث اتساع رقعتها لتشمل جميع مناطق البلاد مترامية الأطراف، وتنوع أشكال المواجهة من جوانب أمنية وقانونية واجتماعية.
بالأمس، أصدرت هيئة كبار العلماء بيانا يشيد بالحملة الأمنية المشتركة لمكافحة المخدرات في جميع المناطق، يقودها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حماية لهذا الوطن المبارك وأبنائه وبناته، ومقدساته ومكتسباته، وثمنت وقوف ودعم القيادة لهذه الحملة المباركة. وغني عن القول إن هذه الحملة الأمنية المشتركة قد بدأت منذ شوال الحالي، بمتابعة وإشراف ولي العهد رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، في جميع المناطق، وتم مع بدء الحملة منح رجال الأمن مزيدا من الصلاحيات في ضبط المتعاطين والمروجين وتشديد الإجراءات في ذلك، وكما نعلم أن أهداف اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات التي صدر تنظيمها 2009، تشمل الإسهام في الحد من انتشار المخدرات بين أفراد المجتمع، وتكوين وعي صحي واجتماعي وثقافي لدى أفراد المجتمع بأضرار المخدرات وسوء استعمال المؤثرات العقلية، مع تحقيق التناغم والانسجام وتنسيق الجهود بين الجهات الحكومية والأهلية ذات العلاقة بمكافحة المخدرات، إضافة إلى توفير وتطوير برامج الدعم الذاتي للمتعافين من إدمان المخدرات وأسرهم، والبرامج العلاجية والتأهيلية لمرضى الإدمان، وغيرها من الأهداف ذات الصلة.
ويأتي بيان هيئة كبار العلماء في المملكة في عدة وصايا للمجتمع من أجل دعم نجاح هذه الحملة الأمنية المشتركة، وتأسيسا على أن الشريعة الإسلامية تحرم المخدرات تعاطيا واستخداما، وترويجا وبيعا، لأضرارها على تعاليم الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وأنها على تعدد أنواعها تعد من الخبائث التي حرمها الشرع الحنيف، لآثارها الخطيرة على الفرد والمجتمع، قال الله تعالى: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)، وأوصت الهيئة عموم المسلمين، خاصة الشباب والفتيات بالحذر الشديد من هذه السموم القاتلة التي تدمر حال التعاطي لها ـ حماهم الله ووقاهم ـ حياتهم وصحتهم ومستقبلهم، وروابطهم الاجتماعية. وفي هذا السياق، أكدت اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات في أكثر من مناسبة أن الأبحاث العالمية المختصة في مجال طب الإدمان وعلم السموم والأوبئة، وفي مجال الجريمة والانحراف، وفي مجال برامج مواجهة ظاهرة المخدرات، توصلت إلى نتائج وحقائق راسخة حول خطر تعاطي المؤثرات العقلية وأثرها في كل من الجهاز العصبي والعقل، وخطرها على التصرف والسلوك البشري والمحيط الأسري، كما توصلت الأبحاث إلى فهم علمي دقيق للمخاطر والعوامل التي تؤثر في تهيئة الفرد وتجعله منحرفا لتعاطي المخدرات، فالدين والعقل متفقان تماما حول خطورة المؤثرات العقلية وضرورة مكافحتها، وتأييد إجراءات الدولة الحاسمة بشأنها.
ويؤكد بيان الهيئة أن بلادنا مستهدفة بهذه السموم القاتلة، وليس الهدف منها العائد المادي في المقام الأول، بل استهداف الوطن في مقدراته ومكتسباته، وفي طليعة ذلك: قوام نهضته، وعماد مستقبله، المتمثل في أبنائه وبناته، وهذه العبارات الرائعة الملهمة من كبار العلماء في توضيح حقيقة أن المستهدف من ترويج المخدرات وتهريبها إلى المملكة، هو الإنسان السعودي وتنميته واقتصاده، التي بدأت تشهد نهضة كبيرة مع تحقيق رؤية 2030 لمستهدفاتها، ومن ذلك تنمية رأس المال البشري، في هذا الشأن أكد عديد من الدراسات آثار تعاطي المخدرات في مقاييس إنتاجية العمل والأجور، وساعات العمل، وحالة التوظيف، وأن تعاطي المخدرات يعوق تراكم رأس المال البشري.
ورأس المال البشري، وفقا لتعريف البنك الدولي، هو مقياس لما يمكن أن يحصله الطفل المولود اليوم عند بلوغه 18 عاما، وذلك في ضوء مخاطر سوء ظروف الرعاية الصحية والتعليم السائدة في البلد الذي يعيش فيه، ولا يحصل المؤشر، الذي تراوح قيمته بين 0 و1، على "1" إلا إذا كان يتوقع أن يتمتع الطفل المولود اليوم بصحة كاملة، وأن يكمل تعليمه ويشارك بفاعلية في سوق العمل، وكلما ارتفع مؤشر رأس المال البشري، فإن ذلك يشير إلى أن مستويات الدخل المستقبلية التي يمكن أن يحققها الطفل المولود اليوم وذلك عند مستويات إتمام تعليمه وتمتعه بصحة كاملة.
وهنا يظهر بوضوح أن انتشار المخدرات بين النشء والشباب يعني تدمير رأس المال البشري، ما يعني الحرب على مستقبل الأمة وإنتاجيتها وحياتها الكريمة، وتظل بذلك رهنية لمن يورد تلك المخدرات للمجتمع، لذلك كانت إشارة بيان هيئة كبار العلماء بمنزلة الضوء الواسع الأفق لتبيان أن المستهدف ليس تحقيق عوائد وغسل الأموال بل تدمير القوى العاملة في المجتمع من أجل إضعافه وجعله تحت الوصاية، ولقد كانت مستهدفات الرؤية واضحة بشأن الصحة والمجتمع الحيوي وتنمية رأس المال البشري، وأكد خادم الحرمين الشريفين هذه المستهدفات في أكثر من مناسبة، لذلك تأتي هذه الحملة الأمنية لمواجهة هذه الحرب من أجل المحافظة على مقدرات الشعب ومستقبل شبابه.
ولا شك أن استشعار أعداء الوطن لما تحقق من نجاحات كبيرة في الرؤية والتطوير الذي تحقق في التنمية البشرية والتوطين، يغيظ الأعداء ويجعلهم في استنفار من أجل إيقاف عجلة التقدم التي انطلقت مع هذا العهد الزاهر.
لا بد أن نقف جميعا صفا واحدا وسندا قويا مع القيادة لتحقيق أهداف هذه المبادرات الكبرى لحماية المجتمع، ووجوب التعاون مع الأجهزة المعنية على التبليغ عن كل من يروج لهذه السموم القاتلة بيعا وشراء وإهداء واستيرادا، تعاونا على البر والتقوى الذي أمر الله تعالى به في قوله سبحانه: (وتعاونوا على البر والتقوى).