طباعة الأدوية
لازمت صناعة الدواء الإنسان منذ بدء الخليقة، فمن خلال تعامله مع الطبيعة وعلاقته بالنباتات ومشاهدته الحيوانات من حوله وطريقة تداويها، كانت الكلاب ـ أجلكم الله ـ إذا شعرت بشيء يهم صحتها، تأكل أعشابا بعينها لتهدئة ما يؤلمها، والقطط إذ تشعر بالتخمة، كانت تبحث عن النعناع وتأكله حتى تطرد الغازات من معدتها وهكذا، فاستدل منها على النباتات الصالحة والمفيدة لمعالجته، كما استخدم أجزاء من الحيوانات ومنتجاتها للعلاج.
وفيما بين القرنين الـ12 والـ14، كانت الأدوية تباع من قبل العشابين للبحارين والتجار وعموم الناس، مع البهارات والتوابل، ومع اتساع استعمال المواد الكيماوية في معالجتها، ظهرت مهارات متخصصة تلزم لخلط الأدوية وتصنيعها، وتباعا برزت بعض المهارات الميكانيكية واليدوية كتحضير الحبيبات والأقراص وتغطيتها بطبقة من الذهب أو الفضة ونحوها.
وفي بداية القرن الـ19 توسع العطارون في مهنتهم من بيع الأعشاب والنباتات الطبية إلى عملية تصنيع الدواء. حتى إن شركات الأدوية العملاقة مثل ميرك، وهوفمان ـ لاروش، وأبوت، وليللي، وأبجون بدأت كصيدليات عشبية محلية، ومن ذلك الحين تطور فن وعلم الصيدلة حتى باتت صناعة تدر المليارات.
واليوم تحملنا صناعة الأدوية إلى المستقبل حيث يمكن للمستشفيات والأشخاص تصنيع أدويتهم في مكانهم دون الحاجة إلى مصانع ضخمة ومختبرات أو مواد خام ونباتات طبية بمقادير مهولة، يكفيك ماكينة للتصنيع بحجم صانعة القهوة، وذلك باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد التي يعتقد بعض العلماء أنها ستكون الحل الأمثل لمواجهة النقص في بعض الأدوية التقليدية التي تعتمد على النباتات الطبية كمصدر رئيس في تصنيعها في ظل تسارع عجلة التأثيرات البيئية وتغير المناخ، وشح مياه الأمطار في بعض دول العالم.
يقول الدكتور ألفارو جويانس، مدير شركة أبحاث فاب ركس البريطانية لصناعة الأدوية المطبوعة، "عندما تصنع الأدوية المطبوعة ثلاثية الأبعاد عند الطلب ستكون بالقرب من المريض، ما يقلل من الحاجة الحالية إلى امتلاك مخزون من الأدوية قد لا يستخدم بالكامل بسبب انتهاء صلاحية الأدوية، ويؤدي ذلك إلى أضرار بيئية خلال عملية التخلص منها"، ويضيف جويانس، "كما يمكن أن يؤدي تصنيع الأدوية بالقرب من المريض إلى تقليل البصمة الكربونية أيضا من خلال عدم استخدام المرضى وسائط النقل للحضور إلى المستشفى أو الصيدلية مثلا".
ورغم ما يراه البعض من مميزات لطباعة الأدوية إلا أنه يجب ألا نغلب جانب تخفيفها من حدة التغيرات المناخية على جوانب سلامتها ومأمونيتها، وقبل ذلك دراسة فاعليتها ومقارنتها بالأدوية التقليدية وإجراء الفحوص المخبرية والسريرية عليها.