أسرار الكشتة

 

ليالي نجـــد ما مثلـــــك ليـــــالي
غــــلاك أول وزاد الحــــب غـــــالي

على وقع كلمات الفيصل وأنغام "أبو نورة" تتلألأ نجد وما حولها هذه الأيام برائحة الخزامى والنفل، ومجموعة من اللوح الجمالية التي تزين الرياض والجبال والسهول بعد الأمطار الموسمية التي شهدتها مناطق المملكة، فكانت فرصة لوضعية الصامت على ضوضاء المدينة والارتحال عنها إلى صحراء نائية وغنية، فوجدت نفسي في طل شديد القدم غاية في السكينة، حيث لا "أوتوكاد"، ولا "بريستيز"، ولا "إنترنت"، فضلا عن شبكات تواصل اجتماعي، وغابت الشكليات وأشرق العبير والحياة على طبيعتها فالنهار رائع والليل وادع يؤنسه القمر، حتى يتنفس الصباح ببريق الشمس، لتمحو أثر الجليد على زخرف الأرض المتوشحة بالخضرة والجمال.
التنزه فرصة لاكتشاف الأرض وقيعانها المتروسة من الزبيدي الذي بدا على ظاهر الأرض لمن ألقى البصر وعرف أماكن وجوده، والرحلات البرية تكشف معادن الرجال، ومخابر الأصدقاء واكتشاف مهارات الطهي، فتتجلى المواهب للحنيني والجريش والمكبوس والمكموت، وقرص الرماد، الذي لا ينقطع الحنين إليه.
والصحراء بيئة تستطيع من خلالها سبر طقوس قرى الضيوف، وعادات وتقاليد سكان الصحراء الصادقة والعفوية ما يعجز القلم عن وصفها، ولو كان قلمي كقلم أبي تمام أو البحتري أو حتى طه حسين أو العقاد، وقد ساورني شك هل المنفلوطي -على رقته- سيجيد ذلك أم لا.
كثر الكاشتون "المتنزهون" في صحرائنا أخيرا، لذا وجب التنويه، لأخذ الحذر من الهوام والقوارض وإعداد ما استطاع المرء من عدة التدفئة، ومحاذير إشعال النار والفحم والالتزام بتعليمات الأمن البيئي، والتفطن من المناطق المقطوعة من الاتصال والاعتماد على الاتصال بالأقمار الصناعية، ومن الجدير معرفته أنه -غالبا- ما تكون المحطات ودكاكين التموين مزدحمة، ومؤونتها لا تكفي، لكثرة الازدحام، لذا من المهم الاحتياط في العدة والعتاد.
إن الهدوء النفسي والسكينة في فضاء الصحراء أحد أسرار الكشتة "النزهة البرية" يعرفه الكشاتة بين أكنة السدر وظلال الطلح ورائحة الربيع الفواحة بين الأفياض والرياض، فأتت رحلتنا مادية وروحية، فما تعلمته من الصحراء الصامتة بشكلها، والناطقة بمضمونها أنه لا يمكن إهمال ما فيها من الثراء البشري، والطبيعي، وفي المقابل لا تتأتى إضاعة الحياة المدنية التي بلغت شأوها، فالجمع بين الحياتين المذكورة بانسجام تام، هو الذي يجعلنا نعيش في عالم متزن، فيه الصحراء، والبيداء، والمدنية الفيحاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي