Author

خط الرجعة بعد المنصب

|

قديما قيل إنها لو دامت لغيرك لما وصلت إليك، وهذه حكمة عظيمة وعميقة في الوقت نفسه، إذا أخذت من زاوية العلوم الإدارية، وتحديدا التعلق بالكرسي. هذا المفهوم يسهم في تعزيز مبدأ عدم التمسك بالكرسي، ومنه يقودنا لسؤال عن أهمية تهيئة النفس للحياة الطبيعية بعد زوال المنصب؟
إن الطقوس والدعم اللوجستي الذي يأتي مع المنصب، له مفعول السحر، فالمكاتب الكبيرة الأثيرة برائحة البخور والسكرتارية المتعددة التي تضع الزهور والفواكه ومشتاقات القهوة كلها على مدار الساعة، لها تأثير كبير. كما أن السيارات الفخمة والسائقين، والرحلات المتعددة على درجة الأعمال، قد يصعب الافتكاك منها. والأهم من ذلك الوجاهة والحضور الطاغي في المجتمع والمناسبات العامة.
قبل عام تركت أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية، منصبها بعد 16 عاما قضتها في غمار العمل السياسي. من البداية رفضت ميركل السكن في المقر الذي توفره الدولة، وفضلت العيش في شقتها التي لا تحتوي على أسوار خارجية ولا حديقة. لم تتغير حياتها قبل وبعد المنصب من ناحية التبضع والتسوق، وهنا مربط الفرس.
المؤسف أن بعض من يغادرون الكرسي لا يفضلون العودة للعمل، وتجد أغلبهم يقررون المغادرة بالتقاعد أو الاستقالة، لأنهم لم يخططوا جيدا للعودة للعمل دون منصب كحال أي موظف. هذه معضلة إدارية ومتلازمة تصيب بعض القادة بعد زوال المنصب.
لا تدوم المناصب، وما يدوم هو العمل المؤسسي، وقصص النجاح التي تتناقلها الأجيال. هناك مفهوم إداري اسمه "التعاقب الإداري" لمعرفه من يتولى دفة الأمور في حال رحيل المسؤول، وهنا أقترح وثيقة "خط الرجعة" للعمل بعد ترك الكرسي. بالمختصر، فالمسؤول الذي لا يهيئ نفسه لما بعد المنصب، سيعيش بقية عمره مع الكآبة.

إنشرها