الفائدة الصفرية .. المتغيرات والتأثيرات

إعلان بنك اليابان الثلاثاء الماضي السماح لمعدل الفائدة للسندات الحكومية العشرية للارتفاع إلى 50 نقطة أساس بدلا من 25 نقطة أساس سابقا يعد أمرا لافتا وتطورا مهما لسياسة بنك اليابان الرامية إلى الحفاظ على معدلات فائدة صفرية طيلة الأعوام الماضية. رغم التقلبات الاقتصادية الحادة هذا العام واتجاه كثير من البنوك المركزية إلى رفع مستويات الفائدة بشكل حاد إلا أن اليابان بقيت مصرة على عدم المساس بسياستها النقدية بمعدلات فائدة تحت الصفر على المدى القصير وبمعدلات فائدة نحو الصفر لسندات عشرة أعوام.
بدأت اليابان تثبيت سعر الفائدة عند سالب 0.1 منذ عام 2016 وأقرت في وقتها سياسة جديدة للتحكم بمنحنى عائد الاستحقاق وهي سياسة موجهة لسندات عشرة أعوام حيث لا يسمح لمعدلاتها تجاوز ربع نقطة مئوية، أو 25 نقطة أساس، ويتم ذلك من خلال الاستمرار في شراء السندات العشرية لضخ السيولة في القطاع البنكي في محاولة لإنعاش الاقتصاد الياباني المنهك. عموما لم تنجح هذه السياسة كما هو متوقع لها كون الاقتصاد الياباني لم ينتعش ولم يعد لمستويات النمو التي كانت تتخطى 12 في المائة في الستينيات والسبعينيات الميلادية، فمعدلات النمو في العشرة أعوام الماضية جاءت متدنية جدا، عدا 2013 حين كان النمو 2 في المائة.
حدث هناك ارتباك في الأسواق عقب إعلان البنك لسياسته الجديدة فلم يكن أحد يتوقع حدوث أي تغيير في سياسة التيسير الكمي والفائدة المنخفضة، على الأقل ليس قبل أبريل المقبل حين تنتهي ولاية الرئيس الحالي، ومصدر التخوف هو أن تعود إلى اليابان أموال يابانية كثيرة هاجرت إلى الخارج بحثا عن عوائد مالية أعلى مما هو متاح في اليابان، وبالذات هذا العام حيث أصبحت فوارق العوائد كبيرة جدا. أما في سوق العملات فارتفاع معدلات الفائدة له تأثير سلبي في سعر صرف الين الذي تجاوز 150 ين للدولار قبل أشهر قليلة، والتخوف أن ارتفاع أسعار الفائدة سيعيد الأموال إلى اليابان ويرفع سعر الصرف نتيجة الإقبال على الين. كذلك نجد أن التغير في معدل الفائدة له تأثير سلبي كبير في المتاجرين بالعملة اليابانية ممن يقترض الين بمعدل فائدة منخفض ومن ثم يقوم بتداول وسائل مالية أخرى بعوائد أعلى، ما يسمى carry trade.
المخاوف من تعديل سياسة الفائدة الصفرية حقيقية إلا أن التأثير الفعلي قد يكون محدود النطاق، ولذلك سرعان ما عكست الأسواق المالية مسارها الهابط وصعدت بحدة، عدا الأسهم اليابانية التي انخفضت بحدة كون الشركات اليابانية مستفيدة جدا من أسعار الفائدة المتدنية لتمويل أعمالها ومستفيدة من سعر الصرف المنخفض الذي يخدم صادراتها.
سبب الاعتقاد بمحدودية تأثير سحب الأموال اليابانية من الخارج يتضح في كون استثمار اليابان في السندات الأمريكية يأتي في حدود 5 في المائة من حجم السندات طويلة الأجل، لذا لا خوف هناك من حدوث بيوع مؤثرة في عوائد السندات الأمريكية طويلة المدى، ولا هناك تأثير يذكر في عوائد سندات الشركات الأمريكية التي تمتلك اليابان منها أقل من 2 في المائة، كما أن مشاركة اليابان في الأسهم الأمريكية ضئيلة وتقدر بنحو 1 في المائة من حجم الأسواق.
ورغم حسابات التأثير المحدود هذه إلا أن العبرة ليست في السماح بالارتفاع الطفيف لعوائد السندات اليابانية، بل في أن ذلك يؤخذ على أنه ربما يكون مجرد بالون اختبار لردة فعل الأسواق، ومن ثم قد يعاود البنك رفع نطاق تذبذب السندات أكثر وأكثر. في هذه الحالة يبدو أن ردة الفعل ليست سيئة للغاية، فلم تفقد الأسهم اليابانية أكثر من 2.5 في المائة من قيمتها، وفي لمقابل ارتفعت أسهم البنوك اليابانية بأكثر من 10 في المائة كون رفع الفائدة يرفع من ربحية البنوك، إلى جانب عدم تأثر الأسواق الدولية من هذا القرار.
ارتفاع الفائدة في اليابان وما ينتج عن ذلك من قوة للين الياباني له تأثير إيجابي في الشركات الأمريكية والأوروبية كون ذلك يؤدي إلى ضعف الدولار ودعم صادرات تلك الدول، إلى جانب أن ضعف الدولار يخفف من الصعوبات المالية التي تعانيها حكومات بعض الدول.
لن يتوقف بنك اليابان عن شراء السندات والاستمرار في سياسة التيسير الكمي، بل إنه أعلن أنه سيزيد كميات الشراء بما يعادل 67.5 مليار دولار شهريا، وهذا في حد ذاته ربما يكفي للسيطرة على معدلات الفائدة دون الحاجة إلى رفع نطاق التذبذب، لذا ربما إن بنك اليابان يتوقع مزيد من الإصدارات الحكومية في الفترة المقبلة، لذا قرر زيادة حجم الشراء وفي الوقت نفسه تحوط من ذلك بالسماح لمعدل الفائدة بالصعود قليلا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي