فك الاحتكار لمصلحة التنافسية
المعركة الإجرائية المتوقعة بين شركة "أبل" والجهات التشريعية في الاتحاد الأوروبي، لن تكون سهلة، وربما تحولت في مرحلة ما إلى "عنيفة" قانونيا طبعا. المفوضية الأوروبية تسعى إلى نزع احتكار الشركة الأمريكية العملاقة في مسألة التطبيقات الخاصة بالدفع عبر أجهزة آيفون.
والقوانين الخاصة بالساحة الرقمية الأوروبية، تلزم "أبل" بأن تسمح لمستخدمي هواتفها الذكية باختيار التطبيقات من خارج متجرها الخاص، والسبب أنها تفرض رسوما احتكارية تصل إلى 30 في المائة، وتحرم المستخدمين من مزايا استخدام تطبيقات أقل تكلفة، وخاضعة للتنافسية وحرية الاختيار.
المسألة ليست جديدة، لكنها عادت إلى الصدارة مع اقتراب موعد تطبيق القانون الأوروبي الجديد في بداية 2024. وهذا يجعل "أبل" تبحث عن حلول وسط، أو التفافات قانونية حول الخطوة الأوروبية.
"المواجهة" بين "أبل" والجهات التشريعية الأوروبية، انطلقت منذ أعوام على أكثر من "جبهة" بما في ذلك الضريبية منها، فضلا عن قضايا الاحتكار التي تنغص على الشركة الأمريكية، التي من الممكن أن تتبلور في الأعوام المقبلة وتتحول إلى قوانين أوروبية ملزمة. حتى إن جهات أوروبية أهلية لا تتوقف عن توجيه الاتهامات إلى "أبل" من جهة قوانينها العمالية غير الإنسانية في مصانعها في دولة مثل الصين.
والقوانين الأوروبية عموما تعد واحدة من أشد القوانين مقارنة بمثيلاتها على الساحة العالمية، كما أن قيودها أقوى كثيرا من غيرها، على أساس أن المعايير التي تستند إليها، هي في الواقع خلاصة مشاركة 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي فيها. ومن هنا، يمكن لمسألة احتكار التطبيقات من جانب "أبل" أن تتفاقم أكثر في الفترة التي تسبق إنفاذ القانون الرقمي الأوروبي عليها.
كل ما على الشركة الأمريكية أن تلعب حول القانون بصورة أو بأخرى. فهو نافذ وحصل على التصديق التشريعي اللازم. وليس أمامها من مساحة للتحرك سوى الجانب المتعلق بسلامة حسابات المستخدمين. وهذه النقطة فضفاضة يمكن اللعب حولها، إلا أن الجانب الأوروبي لديه الحجج القوية في هذا المجال.
ولم تستفد "أبل" مثلا من الخفض الإجباري لرسومها في بلد كهولندا، بلغ 3 في المائة، أي أنها أبقت 27 في المائة بحوزتها. لكون الشركة دفعت غرامة وصلت إلى 50 مليون يورو، لتأخرها في تنفيذ القرار الهولندي. فالضغوط عليها بقيت إلى أن تحولت إلى تشريعات تخص الدول المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي، وهي تشريعات مقيدة إلى حد بعيد، وتضع مكابح للشركات الأجنبية العاملة في القارة الأوروبية، وفق مصالح المستهلك والمعايير الاقتصادية للمنطقة كلها.
يتفق المشرعون علنا بأن "أبل" تسيء استخدام سلطتها، بما في ذلك الجانب الاحتكاري لخدمات بعينها. وهذه الشركة لا يمكنها أن تعاند سوقا أوروبية يصل عدد مستخدمي الهواتف الذكية فيها إلى 450 مليون مستخدم. وواجهت في السابق بالفعل سلسلة من الإجراءات الجزائية لانتهاكاتها المتكررة لقانون الأسواق الرقمية الخاص بالاتحاد الأوروبي، الذي يهدد علنا أيضا بفرض غرامات تصل إلى 20 في المائة من إيرادات الشركة، أو ما يوازي 80 مليار دولار.
والقوانين الأوروبية الجديدة صارمة إلى درجة أن التحايل عليها مستحيلا، كما أن "أبل" لا يمكنها اختلاق معركة قانونية في هذا الوقت بالذات، حيث تواجه "كغيرها من شركات التكنولوجيا الكبرى" مزيدا من الانتقادات من جانب الإدارة الأمريكية، بما في ذلك الخوف من تضخمها، الذي يمثل في النهاية مخاطر من وجهة نظر المشرعين الأمريكيين.
ليس أمام "أبل" سوى القبول بما يطرحه الأوروبيون، والسماح للتنافسية مع شركات التطبيقات الأخرى أن تدخل الدائرة الخاصة بمستخدميها.
ويبدو أنه ليس أمامها أيضا سوى ساحة للمناورة تتعلق بالجانب الخاص بالأمان، لكن حتى هذا الجانب لا يوفر لها نصرا أو تقليلا للأضرار التي ستتكبدها جراء القانون الأوروبي.