مشاريع الرؤية والتصنيفات القوية

لقد أصبحت السعودية محور حديث العالم، وذلك نظرا لما حققته من نجاحات كبيرة في برامج الرؤية، خاصة برنامج التوازن المالي، الذي أصبح الآن في مرحلة الاستدامة، فقد أكدت وكالة التصنيف الائتماني "موديز"، وفقا لعدد من التقييمات، أن جهود التنويع الاقتصادي السعودي، تكتسب زخما متسارعا، وقد ينتقل عدد من المشاريع الضخمة، التي ترعاها الحكومة من مرحلة التصميم إلى مرحلة البناء، وأشارت الوكالة إلى قوة المؤسسات والحوكمة في السعودية التي تعكس الفاعلية القوية للسياسات النقدية والاقتصاد الكلي.

هذه الإشارات من المؤسسة العالمية التي تقدم خدماتها عن المعلومات الائتمانية لكل أنحاء العالم، تعني أن الرؤية بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء قد حققت كل مستهدفاتها المرحلية، بل تجاوزتها في كثير من البرامج، ومن بينها برنامج التوازن المالي الذي نحن بصدده، فخطة التوازن المالي كانت تستهدف الوصول إلى مرحلة التوازن بين النفقات والإيرادات بحلول 2023، وذلك دون العبور بمرحلة من التقشف، وهذا تحد كبير شككت فيه مؤسسات دولية من بينها صندوق النقد، لكن واقع الحال اليوم يؤكد أن السعودية قد تجاوزت مرحلة التوازن الرقمي إلى التوازن الاقتصادي حيث إن الميزانية العامة حققت فائضا كبيرا، ولأول مرة منذ أعوام، فقد قدرت وزارة المالية، فائض ميزانية العام الجاري بنحو 102 مليار ريال، وذلك بناء على نفقات متوقعة 1132 مليار ريال، وإيرادات 1234 مليار ريال، أي لم تحدث هناك فجوات تقشفية، بل حدثت توسعات في الإنفاق المدروس الموجه نحو التنويع الاقتصادي، وهذا ما أشادت به المؤسسة الدولية وعدته مؤشرا على متانة الاقتصاد السعودي وتوازنه العام، وذلك رغم ما يشهده الاقتصاد العالمي من تباطؤ وارتفاع معدلات التضخم مع تشديد البنوك المركزية للسياسة النقدية، وتوترات جيوسياسية تهدد سلاسل الإمداد، لكن رغم أن ما صرحت به الوكالة يعد رأيها الائتماني عن الاقتصاد السعودي بحسب ما نقلته وزارة المالية، وهو رأي مهم جدا إلا أن ما تحقق في الاقتصاد السعودي خلال الأعوام، التي مضت من عمر الرؤية هو أكبر بكثير من مجرد توازن مالي، بل إن التنويع الاقتصادي يعد ثمرة أولية وما تعد به الرؤية أكبر.

فالمملكة تسعى لتنفيذ الاستراتيجيات والبرامج والمشاريع الدافعة لتعزيز النمو الاقتصادي المستدام ورفع جودة الحياة في المملكة، وفقا لرؤية 2030.
يعد تصريح الوكالة الدولية ذا بعد مهم على القوة الائتمانية للاقتصاد السعودي، خاصة أنه تطرق إلى ما تحقق من تنويع اقتصادي، فالتنويع الاقتصادي كان يعد تحديا من التحديات، التي واجهت الاقتصاد السعودي عدة عقود مع هيمنة القطاع النفطي واعتماد نشاط القطاع الخاص على ما تعتمده الدولة من مشاريع هي في الأساس ذات ارتباط بمستوى الإيرادات النفطية، ما يعني أن أي تعثر في أسعار النفط سينعكس سلبا على القطاع الخاص السعودي بشكل غير مباشر، هذه الظاهرة كانت تجعل ائتمان القطاع الخاص السعودي غير موات، ولم يكن بالإمكان في ظل تلك الحالة المنافسة في أسواق المال بأشكال مختلفة من الصكوك والسندات، ما أفقد الاقتصاد السعودي والشركات فرصا للنمو كانت متاحة، لكن مع ما حملته الرؤية من تغيرات هيكلية كان من بينها تحرير القطاع الاستثماري الحكومي من قيود المالية العامة وتقلبات أسعار النفط مع إعادة هيكلة صندوق الاستثمارات العامة، وهو ما سمح بتنويع اقتصادي واسع وتحرير القطاع الخاص بأكمله، ولهذا عندما نقول الاقتصاد السعودي، فإن ذلك يشمل كل قطاعاته الحكومية والخاصة حتي القطاع غير الربحي، فالثقة الائتمانية تتوزع على هذه القطاعات كافة، ما يمنحها ميزة تنافسية عند استقطاب الاستثمارات وعند اتخاذ قرارات تخصيص الأموال، فالنمو الاقتصادي الكبير الذي تحقق للقطاع غير النفطي السعودي خلال عامي 2021 - 2022 بمتوسط 5 في المائة سنويا حتى الربع الثاني من 2022، يقدم مؤشرات قوية تحرره وعلى الاستدامة الاقتصادية لهذا القطاع بشمولية، ما يجعل مانحي الأموال أكثر ثقة ورغبة في دخول سوق الائتمان السعودية، سواء على شكل استثمارات في الأسواق المالية والاكتتابات الأولية، أو من خلال الاستثمار في الصكوك والسندات، التي تطرحها الشركات أو الحكومة، أو من خلال المساهمة في القطاع غير الربحي والأوقاف عموما، وذلك عند مستويات مناسبة من أسعار الفائدة، فالنمو القوي المتواصل مع الوعود الصادقة المدعومة بمثل هذه التصنيفات الدولية، يجعل مانحي الأموال والمستثمرين أكثر ثقة، وإذا أضفنا لذلك بعدا آخر، وهو التحسن الكبير في إدارة وفاعلية السياسة المالية العامة عند الاستجابة لتذبذبات أسعار النفط، التي أظهرت التزاما يضبط الأوضاع المالية العامة، وتطوير استدامتها على المدى الطويل، فإن المشهد الاقتصادي السعودي، يتكئ اليوم على قواعد راسخة تمنحه القدرة على تحقيق كل البرامج والمشاريع والاستراتيجيات المرتبطة برؤية المملكة 2030 التي بدورها ستسهم في تحقيق عوائد اقتصادية ومكاسب اجتماعية سيكون لها أثر إيجابي في تحقيق معدلات نمو مرتفعة مع توفير فرص توظيف أكبر، ورفع مستوى الخدمات الأساسية والاجتماعية للمواطنين والمقيمين والزائرين، وتعزيز دور القطاع الخاص، وتنمية المحتوى المحلي والصناعة المحلية، وتحسين ميزان المدفوعات، وفي الوقت نفسه تعزيز الموقف المالي القوي للمملكة.
وجدير بالذكر هنا ما تم الاتفاق عليه مع الجانب الصيني بشأن المواءمة بين الرؤى، وتوقيع الاستراتيجية الشاملة، والاتفاقيات المتعددة، في مجالات الصناعة والخدمات اللوجستية، أو الإسكان، وحتى السياحة، فإن الآفاق المستقبلية للاقتصاد السعودي ستشهد ارتفاعا ملحوظا ومتسارعا في التصنيفات الائتمانية، ما ينعكس بمزيد من قدرة القطاعات والشركات على الوصول السهل للأسواق العالمية عند مستويات فائدة تنافسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي