Author

كم؟

|
المجتمعات البشرية في عالمنا اليوم تغوص في لجة عميقة من بحور الماديات، فمعظم ما حولنا أصبح يقاس بها، ولذلك أصبحت أداة الاستفهام "كم" هي أكثر كلمة دارجة قد نسمعها في حياتنا الراهنة، وإذا أردنا أن ندرك مدى تأثير الأمور المادية فلنتأمل كيف تغير مفهوم الزواج، بحيث لم يعد يتمحور حول أخلاق الزوج وروعة شخصيته، ورأي من حوله فيه، بقدر ما يتمحور حول كم راتبه، كم رصيده في البنك، كم قيمة سيارته؟ وفي لقاءات الأصدقاء لم تعد الأحاديث تدور حول المواضيع الهادفة والمهمة، بقدر ما تدور حول بكم ساعتك، فستانك، قلمك، مجوهراتك، سيارتك، كم تكلفة سفرتك إلى البلد الفلاني؟ كم قيمة أثاث مجلسك الكلاسيكي؟ وكم سعر شاشتك التلفزيونية السينمائية الكبيرة، وووو؟!
اختفت معظم أدوات الاستفهام الأخرى وأوشكت على الانقراض، فلم نعد نسأل أنفسنا "لماذا" ربطنا سعادتنا بالماديات حتى آمنا بأن السعادة حكر على الأثرياء فقط؟ لماذا أصبحت معظم أحلامنا تدور في فلك الأمور المادية بغض النظر عن تلك اللحظات السعيدة والأوقات الممتعة التي نخسرها في رحلة لهاثنا المتعبة، خلف أوهام مادية سنكتشف بعد امتلاكها أنها لم تمنحنا ما كنا نبحث عنه من سعادة حقيقية، لم نعد نسأل أنفسنا "هل" كفاحنا المتعب لتوفير المال لأبنائنا صنع منهم أشخاصا سعداء، لأنهم تمكنوا من شراء المزيد والمزيد، أم أنه صنع منهم أبناء أنانيين، إحساسهم بعدم المسؤولية والشبع المادي يرتفع بوتيرة أعلى، رغم تكدس الكماليات المادية في حياتهم؟ لم نعد نسأل أنفسنا "كيف" نستطيع أن نكبح أنفسنا عن مواصلة اللهاث في مضمار لا نهائي من الكدح والشقاء والجهد لتوفير قيمة أقساط السيارة والمنزل والأثاث والماركات والسفريات والمطاعم، وووو؟ لمحاولة التقاط أنفاسنا قبل أن نفقد صحتنا وعافيتنا في خضم أتون لا يرحم من السعار المادي، الذي اخترنا طواعية العيش في أتونه؟ و"متى" يدرك البعض في خضم هذه الحياة المادية أنه يجب أن يتم تعليم الأطفال قوانين الامتنان والشكر، ومقاسمة النعم مع الآخرين، والعطاء والرحمة وتحمل المسؤولية، ووو؟!
وخزة:
"أموال الدنيا قاطبة لن تعوض خسارتنا تلك الأوقات السعيدة التي لم نعشها مع من نحب، ولا تلك المتع البسيطة التي لم نتشاركها مع من نحب، ولا تلك المشاعر الدافئة التي لم نتقاسمها مع من نحب. حين نشيخ في هذه الحياة المادية ونقلب صور الذكريات فلن نجد سوى صور أثاث وتحف وسيارات وملابس ماركات وتذاكر سفر، وسندرك لحظتها "كم" أن خسارتنا كانت فادحة جدا"!

اخر مقالات الكاتب

إنشرها