Author

الأجور وعدد ساعات العمل

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
يقول ماركس في كتابة الشهير "رأس المال"، إن العمال ـ فقط ـ هم مصدر الربح الذي يستولي عليه الرأسماليون، وقدم في هذا جدلا طويلا، باستخدام أسلوبه في الديالكتيك، لكن كيف يمكن أن يكون العمال أصحاب الربح ولهم أجورهم؟ النظرية الرأسمالية تقول إن الربح هو حق صاحب رأس المال كمكافأة على المخاطرة، ولهذا يذهبون بعيدا في مناقشة العلاقة بين العائد والمخاطرة، على أنه في أوقات كثيرة لم يتم حسم هذه العلاقة، فكم من مشروع يدر أرباحا كبيرة مع مخاطر لا تكاد تذكر، وكم من مشروع مخاطره كبيرة مع عوائد ضعيفة، لكن ليس هذا محل النقاش، بل كيف يفسر ماركس بأن العمال هم أصحاب الربح، باختصار هو يقول إن الإنسان رشيد للغاية فهو لا يمكن أن يعطي أكثر مما يأخذ، وهذا ما تفسره نظرية القيمة العادلة في المحاسبة تحت مسمى معاملة بطول الذراع Arm’s Length transaction، وهو مصطلح يشير إلى أن "المعاملة التجارية" العادلة تكون بين طرفين غير مرتبطين وليس لهما علاقة خاصة، لهما قوة تفاوضية متساوية تقريبا "دون إكراه أو إجبار"، ويتم إجراؤها في السوق المفتوحة، ويتصرف الجميع وفقا لمصلحتهم الخاصة. هذا يعني أنه ليس منا من هو مجبر على دفع أكثر مما تستحقه السلعة في سوق عادلة ومفاوضة عادلة، وإذا كانت كل سلعة لها تكلفة فإنه من غير المعقول في هذا الوضع أن نضمن للتاجر ربحا لمجرد أنه قام بالمخاطرة. هذه العاطفة ليست في الاقتصاد. وإذا كانت الحالة هذه فإن ماركس يرى تفسير الرأسماليين للربح غير حقيقي، ومرة أخرى أكرر بأن النقاش في سوق عادلة بمعنى أن التاجر لا يسرق العملاء برفع الأسعار فوق قيمة السلعة الحقيقية، لأن هذا وضع تفاوضي غير عادل يمكن التاجر من الاستغلال. عوامل الإنتاج التي فسرها آدم سميث هي الأرض والآلة والعامل، وبذلك فإن القيمة والثروة تنتج من التفاعل بين هذه العوامل، فلا يمكن إنتاج أي سلعة دون مواد خام وباستخدام الآلة ويد العامل، فالقيمة تتراكم على طول الطريق من الطبيعة البكر حتى يد المستهلك النهائي والسبب هو اليد العاملة، فمثلا طاولة من الخشب كانت مجرد شجرة قطعها عامل بفأس، استغرق العمل ساعة من جهد العامل وقوته، وجزء من حديد الفأس، وهذا يعني أن على العامل أن يسترد جهده وحديد فأسه وبذلك يضع سعرا للخشب.
يأخذه صاحب الورشة ليضيف له عملا بآلات أخرى وهذا العمل له ساعات من جهده وقوته وإهلاك الآلات، وهذا يصل بنا إلى السعر النهائي للطاولة الذي يتضمن قيمة جهد العامل قاطع الخشب وقيمة جهد العامل الذي صنع الطاولة "محسوبة بساعات العمل"، وقيمة ما استهلكنا من الآلات "صيانة أو استبدال"، هنا تظهر السوق العادلة، وكان البشر سعداء في ذلك الحين الذي أصبحنا نقول عنه اليوم بزمن الطيبين. ثم جاءت الثورة الصناعية وتم تجميع الآلات في خطوط إنتاج وأخذ العمال من ورشهم الصغيرة وتم وضعهم على هذه الخطوط، على أن يتم تعويضهم بأجر متفق عليه، وكأن صاحب المصنع صنع سوقا مغلقة "غير تفاوضية وغير عادلة في داخل المصنع" منع العامل من الوصول إلى السوق العادلة، وأجبره على سوق مصطنعة داخل المصنع، يبيع العامل إنتاجه وجهده "ساعات عمله" وفق عقد مسبق متفق عليه "أصبح يسمى الأجر"، يرى ماركس بوضوح كيف أن هذا الوضع غير التفاوضي يسمح للتاجر بأن يأخذ ساعات العمل من العمال بأقل من حقها، وذلك بتحديد سعر الأجر قبل إنتاج السلعة ثم يقوم باستغلال كل دقيقة في الساعة من أجل إنتاج أكبر عدد من السلع، هكذا ببساطة يقوم التاجر بعصر العمال عصرا لإنتاج الربح بسبب العقود المسبقة والأجور المحددة بتلك العقود، هكذا يعيش العمال في بؤس، بسبب ضغوط العمل الضخمة، وعدم قدرتهم على بيع إنتاجهم بحرية في الأسواق العادلة، لقد ولى زمن الطيبين.
لكن هل هذا صحيح تماما، هل تقوم المصانع وأصحاب العمل باستغلال العمال من خلال ضغط أوقات العمل ومحاولة الاستفادة من كل دقيقة، وهل هذا هو الفرق بين الشركات الرابحة والخاسرة، "الإنتاجية"، وهل هذا ما يجعل البعض يقول إن الفرق بين الأمم يكمن في هذه الإنتاجية "استغلال كل دقيقة من وقت العامل في الإنتاج"، وليس في مجرد "عدد" ساعات العمل، لأن في بعض الدول وبسبب قوة العمال والاتحادات العمالية والمفاهيم الاشتراكية، تظهر لديهم مشكلة "استغلال العمال لرأس المال"، حيث يقومون بأخذ أجر أكثر من إنتاجهم بسبب عقود العمل الموحدة غير قابلة للنقض، ولهذا قيل إن إنتاجية موظفي الحكومات لا تزيد على "دقائق" بينما هم يأخذون أجر ساعات، هذه مشكلة واضحة وتسببت فعليا في انهيار الدول الشيوعية، لكنها رغم وضوحها "تؤكد" تفسير ماركس بأن "الربح" يتم إنتاجه مع ساعات العمل المستغلة بالكامل، لكن لا أحد استطاع أن يفسر كيف؟ في اعتقادي أن المسألة تدور حول "تأجيل الدفع"، أي أن الربح يكمن في استغلال الزمن بين وقت العمل ووقت الأجر، فبدلا من دفع الأجر للعامل عن عمله يوميا يتم تأجيل ذلك حتى نهاية الشهر، هنا يقوم التاجر أو صاحب المصنع بالاستفادة من عائد الإنتاج بإعادة تدوير حقوق العمال طوال شهر كامل بدلا من دفعها لهم، ما يحقق له "وحده" الأرباح الكبيرة، هنا نتذكر قول الرسول صلى الله عليه أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه.
إنشرها