صحوة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي

عقدت لجنة المصارف في مجلس الشيوخ أخيرا جلسات استماع لثلاثة مرشحين لعضوية مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي: سارة بلوم راسكين وليزا كوك وفيليب جيفرسون. والثلاثة يتمتعون بمؤهلات استثنائية مع خبرة عميقة ومتداخلة تتضمن التنظيم المصرفي والاقتصاد الدولي والسياسة المالية، لقد عملت من قرب مع كوك فيما يتعلق بتلك القضايا، وذلك ضمن الفريق الانتقالي للرئيس الأمريكي جو بايدن.
إحدى القضايا التي من المؤكد أن تتصدر عناوين الأخبار هي إلى أي مدى ينبغي للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن يشغل نفسه بالمخاطر التي يشكلها التغير المناخي على النظام المالي. لقد ذكر جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي، مرارا وتكرارا أن تلك المخاطر يجب أن تؤخذ على محمل الجد، وكلامه في هذا الخصوص لم يؤد إلى إثارة الجدل عموما أو إلى خطاب حاد من قبل السياسيين من الحزبين. وأما راسكين وهي خبير تنظيمي، فتعيينها نائبا للرئيس لشؤون الرقابة يعد أسلوبا جيدا لدعم باول فيما يتعلق بتلك القضايا.
لقد استحدث الكونجرس منصب نائب الرئيس ضمن تشريع دود - فرانك للإصلاحات المالية لعام 2010. لقد كان هذا البند بمنزلة استجابة مباشرة لأوجه الفشل التنظيمي الفعلية، وتلك التي كان هناك تصور بوجودها، خاصة عدم القدرة على رؤية المنظور الكامل للمخاطر المنهجية في الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية المدمرة التي اندلعت في أيلول (سبتمبر) 2008. إن الاحتياطي الفيدرالي رغم أنه ليس الجهة التنظيمية المالية الوحيدة، إلا أن له تأثيرا كبيرا جدا وعادة ما يعمل على تشكيل تفكير المسؤولين الآخرين ومستثمري القطاع الخاص فيما يتعلق بالمخاطر.
لقد قطعنا شوطا طويلا منذ الأيام السوداء لعام 2008، لكن الأشخاص الذين يديرون البنوك الدولية لا تزال لديهم شهية كبيرة للمخاطر، لأن ما كان صحيحا في الماضي لا يزال إلى حد كبير صحيحا اليوم، فالمصرفيون يستفيدون من الانتعاش، ومن المكافآت الكبيرة عندما تكون الأمور جيدة والمخاطر الناتجة عن ذلك تصبح مشكلة دافعي الضرائب والبنوك المركزية. إن لدى تلك البنوك نفوذا سياسيا بما يكفي لتجنب تقسيمها إلى كيانات أكثر أمانا أو تبسيط هياكلها المعقدة، ما يعني أنها لا تزال أكبر من الفشل. إن الخوف من الآثار الرهيبة في عديد من الاقتصادات يضغط على الحكومات والبنوك المركزية لإنقاذها عند حدوث الأزمات، الأمر الذي يشجعها على مزيد من المجازفة المفرطة، ويزيد خطر وقوع كارثة لملايين الناس.
إن نائب الرئيس للمراقبة مسؤول عن التركيز على المخاطر الحالية الواضحة، مثل تداول ملكية البنوك أو إقراض المضاربين، مع الأخذ في الحسبان أيضا المخاطر التي قد تصبح بارزة بعد ذلك، علما بأنه لمدة خمسة أعوام في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، اكتفى الاحتياطي الفيدرالي بالمشاهدة وأحيانا التشجيع، مع نمو سوق الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري للقطاع الخاص والمشتقات المرتبطة به بما يكفي لزعزعة استقرار النظام المالي العالمي بأكمله. لقد عد مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي النظرية والتطبيق فيما يتعلق بتطوير تلك الأوراق المالية أنها سليمة، إلى أن بدأت السوق بالانهيار صيف 2007.
لم تكن هذه هي المرة الأخيرة التي فوجئ فيها الاحتياطي الفيدرالي بما يحدث. يوجد في الولايات المتحدة تأمين على ودائع الأفراد وذلك بفضل المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع. لكن صناديق أسواق المال عانت تقلبات شديدة في آذار (مارس) 2020 وتعرضت سوق الخزانة عموما لضغوط في وقت مبكر من الجائحة، ويرجع ذلك جزئيا إلى الطريقة التي تستخدم بها الأوراق المالية الحكومية للاقتراض والإقراض في معاملات إعادة الشراء غير الشفافة بين المؤسسات المالية. إن ليف ميناند من جامعة كولومبيا لديه كتاب ممتاز قادم يتناول هذه الموضوعات.
أما بالنسبة إلى المخاطر المالية المتعلقة بالكوارث الطبيعية، فقد تمكن باول من تأطيرها بشكل جيد في شهادته أخيرا أمام الكونجرس: "نحن ندرك أن الانتقال إلى اقتصاد أخضر قد يؤدي إلى إعادة تسعير مفاجئ للأصول أو صناعات بأكملها ونحن بحاجة إلى التفكير في ذلك بعناية وبشكل مسبق وأن نفهم ما يحصل ونكون في وضع يؤهلنا للتعامل مع كل ذلك".
أي: بعبارة أخرى قد تجد البنوك فجأة أن لديها قروضا أو أصولا أخرى تم اكتسابها بموجب مجموعة من الافتراضات التي لم تعد صالحة. لقد كانت آخر مرة انضمت فيها البنوك للموجة السائدة على نطاق واسع عندما افترضت أن أسعار المنازل ستستمر في الارتفاع وقد كان افتراضا جيدا، إلا أن أصبح افتراضا غير جيد بشكل مفاجئ.
الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية تستخدم السياسة النقدية لتحقيق استقرار الأسعار والتوظيف الكامل، لكن عندما يكون النظام المالي في مأزق، فإن السياسة النقدية تكافح من أجل الشراء. وبناء على ذلك قاد راندال كوارلز، نائب الرئيس الجمهوري السابق لشؤون المراقبة في الاحتياطي الفيدرالي أخيرا وبصفته رئيس مجلس الاستقرار المالي، عملية إنشاء "خريطة طريق" للبنوك المركزية على مستوى العالم لمعالجة المخاطر المالية المناخية.
إن سجل راسكين الحافل في العمل التنظيمي الدقيق وكزميلة متعاونة من المفترض أن يؤدي إلى تثبيت تعيينها من قبل مجلس الشيوخ وجنبا إلى جنب مع باول والمرشحين الآخرين، يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي قد أصبح مستعدا لإحراز تقدم معقول ضمن التوافق الحالي بشأن معالجة المخاطر التي تهدد استقرار النظام المالي.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي