Author

بين مفاهيم الاتصال والإبلاغ والتقارير

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
تعد الشفافية ركنا أصيلا ومحورا رئيسا من محاور الحوكمة، لكنه محور معقد ولا يوجد كثير من الإرشادات حول آليات استيفاء هذا الركن، ومع ذلك تظل المطالبة به أساسية، بل أصبحت هذه الكلمة "الشفافية" مطروحة في كل الأوقات وعلى جميع الأصعدة، ومن السهل جدا اتهام أي مؤسسة أو شركة بعدم الشفافية، رغم عدم وجود مقاييس معترف بها عالميا بشأن ماهية هذه الشفافية.
فوفقا لنشرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD فقد تم تطوير مجموعة من الأدوات لمساعدة الحكومات على ضمان ترجمة الشفافية مثل مبادئ النزاهة في المشتريات العامة، وأفضل الممارسات لشفافية الميزانية، ومبادئ الشفافية والنزاهة في كسب التأييد والمبادئ التوجيهية لإدارة تضارب المصالح في الخدمة العامة، ومع ذلك فإن المسألة تظل عالقة حول الأدوات التنفيذية.
الشفافية متعلقة بقدرة الباحث عن المعلومة على الوصول إليها بشكل ووقت مناسبين، فهي حكم من قبل المستخدم للمعلومات وليس من قبل من يعدها، فالمستخدمون للمعلومات والبيانات هم من يقدرون في نهاية الأمر، هل تم استيفاء الشفافية أم لا، خاصة إذا كانت قراراتهم ومستقبلهم وقدرتهم على تخصيص الموارد ترتبط بمعلومات غير متاحة لهم، فإن هناك ضعفا في الشفافية، وهنا المحك الرئيس، فالرغبة في الشفافية مرهونة بمن يعد البيانات والمعلومات، لكن من يقرر أن الشفافية قد تمت عند مستويات معقولة هو المستخدم لتلك البيانات، وهنا أهم مشكلات اتخاذ القرار وأعقدها، وهي مشكلة عدم التماثل المعلوماتي، أي أن حجم وكمية ونوعية المعلومات التي توزع على متخذي القرار ليست متناسبة مع حجم المعلومات المتوافرة عند من يعدها، وهذا يتسبب في مشكلات عديدة من بينها مشكلة الوكالة، حيث المدير هو الوكيل والمعد للمعلومات والقادر على الوصول إلى كل المعلومات التي تساعده على تخصيص موارده هو بالشكل الصحيح، بينما تحجب هذه المعلومات أو أهمها عن الملاك، وبالتالي يفشلون في اتخاذ قرارات صحيحة لتخصيص مواردهم المتاحة.
الشفافية تتعلق بالأداة التي يتم من خلالها إيصال المعلومات لمتخذ القرار، وهناك ثلاثة مفاهيم تستخدم بشكل واسع في هذا الإطار وهي التقرير والإبلاغ والاتصال، ولكل نوع من هذه الأنواع مستخدم وشكل خاص ووسائل خاصة، فالاتصال هو المفهوم الأوسع من المفاهيم المتعلقة بالشفافية، حيث يتم إيصال معلومات تتسم بالعموم للجمهور، وهذه المعلومات مهمة، حيث إنها تحدد ملامح رئيسة، أو اتجاهات استراتيجية تمكن الجمهور من استيعاب هذه المعلومات واتخاذ قراراته بناء عليها. مثل هذه المعلومات تكون غير معيارية الشكل، إذن لا يمكن المقارنة بينها وبين معلومات سابقة للجهة نفسها أو معلومات صادرة من جهة أخرى، وهذا يجعل التضارب شديدا عادة في فهم هذه المعلومات، إذ إن عدم وجود نصوص وأشكال معيارية يجعل تتبعها صعبا، وإذا قام البعض ببعض الجهد من أجل تحقيق ذلك فقد ينتج عنه سوء فهم ويتطلب من الجهة توضيحات، وفي بعض الأحيان يفسر مثل هذا السلوك بضعف في الشفافية، والأصل أنه نتيجة طبيعية لممارسة الشفافية عند هذا المستوى الواسع من المعلومات غير المعيارية. عادة ما تتجه الجهات والشركات إلى أدوات الاتصال الشعبية، مثل الصحافة والإعلام المفتوح، وحاليا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ومرة أخرى، فإن الحكم بشأن مستوى الشفافية من شأن الجمهور وبحسب أهمية وتأثير المعلومات في قراراتهم اليومية، فكلما كان لها تأثير واسع في قدرتهم على تخصيص مواردهم ومن بينها الوقت، فإنه لا بد من رفع مستوى الاتصال اللازم لتحقيق شفافية أكبر.
المنهج الثاني من مناهج الشفافية، هو الإبلاغ، فالإبلاغ جزء من الاتصال، لكنه أكثر تحديدا بشأن المعلومات وحجمها، وكذلك بشأن المستخدمين لهذه المعلومات، فإذا كانت هناك معلومات تهم فئة محددة من متخذي القرار مثل مجلس الإدارة، والمتخاصمين في قضايا، أو الشكاوى، أو المتنافسين في عقد، أو المتنافسين في سوق، كل هذه الفئات تتطلب معلومات أكثر عمقا ودقة وتحديدا، وتكون وسائل الإبلاغ رسمية في العادة، لأنه يترتب عليها إجراءات قانونية ومساءلة. ومن أهم وسائل الإبلاغ، المواقع الإلكترونية للجهات المختلفة، فإن من يقوم بزيارة هذه المواقع لديه في العادة قرارات مهمة بشأن موضوعاتها، ولذلك يحتاج إلى وصول إلى المعلومات، ولأن البلاغ تحديدا من مستخدمي هذه البيانات أكثر خصوصية، فقد يتم تقييد الوصول إلى هذه المعلومات عليهم فقط، وهذا لا يتعارض مع مبادئ الشفافية، لكن المبدأ الأساس هو أن يكون لدى هؤلاء المهتمين معلومات تمكنهم من اتخاذ قرارات صحيحة. هذا المنهج لا يتطلب معايير ضابطة له، وقد يختلف من جهة إلى أخرى وشخص إلى آخر.
المنهج الثالث من مناهج الشفافية التقرير، وهو نص مكتوب وفقا لمعايير محددة وضابطة له تمكن من المقارنة بين المعلومات الحالية والسابقة أو تمكن من المقارنة بين الجهات المختلفة، وهو موجه بشكل دقيق إلى مستخدمين لهم قدرات وتدريب كاف على قراءة التقرير، ومن ذلك التقارير المالية للشركات وتقارير مجال الإدارات، كذلك التقارير المختلفة التي تصدر بشأن موضوع محدد سلفا، ومن بينها التقارير الصحية، وهذه التقارير تكون خاضعة للمراجعة والمساءلة القانونية، والتعديل عليها أو التلاعب بها يعرض الشخص للملاحقة القانونية، لأنها عند هذا المستوى تتمتع بثقة كبيرة تسمح باتخاذ قرارات مهمة جدا، والتلاعب بها يعد تضليلا للمستخدمين، ولهذا يجب أن يتم تدريب الأشخاص والجهات بشكل جيد على إعداد هذا النوع من التقارير وتكون هناك ممارسات وإجراءات عالية المستوى للتحقق من سلامة ودقة المعلومات المتضمنة فيها.
إنشرها