Author

رأس المال ليس استراتيجية «1من 2»

|

خلال العشرة أعوام الماضية، عاش رواد الأعمال، إلى جانب بقية العالم في بيئة مالية غير مسبوقة. إذ في إطار الاستجابة الأولية للتعافي البطيء المتعنت من الأزمة المالية لعام 2008، ثم بعد ذلك للركود الناجم عن كوفيد - 19، حافظت البنوك المركزية الرئيسة على مجموعة من المبادرات غير التقليدية، وبرامج شراء الأصول التي تعرف مجتمعة باسم التيسير الكمي.
ونتج عن ذلك مباشرة تراكم ضخم للاحتياطيات المالية في البنوك المركزية وفي كل النظام المالي، وتخفيض أسعار الفائدة الاسمية على الأصول المالية الخالية من المخاطر إلى مستويات أقل من معدل التضخم. ومن ثم، كانت أسعار الفائدة سلبية بالقيمة الحقيقية حتى بالقيمة الاسمية، في بعض الحالات.
كما كان لأعوام من السياسات النقدية غير التقليدية تأثير ثانوي في أسلوب الاستثمار. إذ في ظل الظروف التي أوجدتها البنوك المركزية، أصبح المستثمرون المؤسسون ومستثمرو التجزئة على حد سواء أكثر جرأة في سعيهم لتحقيق عوائد حقيقية إيجابية. ولم يقتصر الأمر على قبولهم مستويات متزايدة من المخاطر الأساسية، أي: مخاطر فشل الأعمال التي تقضي على قيمة أوراقهم المالية، بل أصبحوا أكثر استعدادا لقبول انعدام السيولة، وشراء الأوراق المالية التي لا يمكنهم إعادة بيعها كما يريدون.
إن أحد الأمثلة الصارخة على هذه الظاهرة هو تدفق رأس المال غير التقليدي، وهو مصطلح وضعته الرابطة الوطنية لرأس المال الاستثماري للإشارة إلى صناديق الاستثمار المشتركة، وصناديق التحوط، وصناديق الثروة السيادية، وما إلى ذلك، نحو الشركات الخاصة المدعومة من المشاريع التي كانت تقييماتها مرتفعة منذ أزل. وتتمثل الأمثلة الأخرى في الفقاعات في الأصول المشفرة وتدمير مخزونات أسهم "الميم" تكون عابرة في أغلب الأحيان، المدفوعة بمجتمعات "ريديت" ومستثمري التجزئة، على تطبيقات مثل تطبيق "روبنهود".
والمثال الأخير هو أنه كان للعرض غير المحدود لرأس المال منخفض التكلفة من حيث تخفيف الملكية المتاح لرواد الأعمال، وشركات رأس المال الاستثماري في المراحل المبكرة، تأثير من المستوى الثالث أيضا، تمثل في انتشار نماذج الأعمال مع إمكانات ضئيلة أو معدومة لتحقيق نمو مستدام ذاتي التمويل. وترسخت فكرة رأس المال كاستراتيجية. إذ في عالم قليل الاحتكاك، حيث تقدم الخدمات عبر أو بوساطة الإنترنت، تحرص الشركات الناشئة على إنفاق مبالغ أكبر من أموال الأشخاص الآخرين لاكتساب العملاء، والهدف هو الخروج منتصرة في سباق يحصل فيه الفائز على كل شيء.
وتكمن المشكلة بالطبع في أن رأس المال ليس استراتيجية، والأحرى أنه مورد يختلف عرضه وتكلفته اختلافا كبيرا. فعلى الأقل منذ جنون التوليب الهولندي في ثلاثينيات القرن الـ 16 وفقاعة البحر الجنوبي في لندن عام 1720، كان التاريخ المالي مليئا بحلقات الإفراط في المضاربة، ولهذا السبب عنونت فصلا من فصول كتابي Doing Capitalism in the Innovation Economy: بكلمة: تفاهة الفقاعات.
وفي بعض الأحيان، أدت هذه الانفجارات في وفرة المستثمرين إلى تمويل نشر التقنيات المبتكرة على نطاق كاف لتغيير اقتصاد السوق، كما كانت الحال مع السكك الحديدية، والكهرباء، والإنترنت. إذ تكون الفقاعة منتجة بناء على ما تتركه وراءها. إلا أن كل الفقاعات انفجرت، لذلك حتى المستثمرون الذين يسعون لتحقيق الإنتاجية سينقسمون حتما إلى واحدة من فئتين: السريعين أو الأموات... يتبع.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2022.

إنشرها