Author

تأثير نظام الإثبات في أعمال المراجعة

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
في الأسبوع الماضي، وافق مجلس الوزراء على نظام الإثبات، ما يعد نقلة نوعية في آليات التقاضي، ويحل كثيرا من الإشكاليات القائمة في موضوعات شتى ليس أقلها موضع الإثبات الرقمي. وبداية، فإن نظام الإثبات يصف القواعد القانونية التي تحدد أنواع الدليل المقبولة عند التقاضي وحجيتها والإقرار والتحقيق وغيرها من الموضوعات ذات الشأن.
وكان موضوع الإثبات في النظام السعودي موجودا، لكنه منثور في أكثر من نظام وبين آراء الفقهاء، ولم يكن هناك نظام محدد مرجعي لكل ذلك. والإثبات يتعلق بالدليل المؤيد للواقعة، وهذا يتطلب وجود الادعاء بها قبل، والشك حولها أصلا، ولذلك يأتي الطلب على الدليل إما لإثبات الواقعة أو لنفيها، بحسب قدرة الدليل على دحض الشك، وهذا المعيار الذي يحدد حجية الدليل وقوته، فهناك من الأدلة ما لا يدع مجالا للشك، ومنها ما يقوي الاحتمالات بذلك.
وعلى هذا، فإن الإثبات مرتبط بقوة الدليل، والحكم مرتبط بهما. وفي المراجعة عموما وبأنواعها المختلفة، يقدم المراجع حكمه الشخصي بناء على تقييمه الأدلة التي يجمعها بشأن موضوع المراجعة، وهو في عمله ذاك، ينطلق مما يسمى الشك المهني، وهذا مفهوم أصيل في المهنة، فدون الشك لا يستقيم الحال بطلب الإثبات، ولهذا يجمع المراجع الأدلة ويقيم حجيتها بحسب قدرة الدليل على حسم الشك أو ترجيح الاحتمالات.
في مراجعة القوائم المالية، ينطلق المراجع من أساس أن الشركة تدعي عدم وجود أخطاء أو تحريفات أو غش في القوائم المالية، ورغم أن المراجع ينطلق أساسا من كون هذا صحيحا، لكن يحتاج هذا الادعاء إلى الدليل، الذي ينقل المراجع من حالة الشك إلى الظن الراجح، ما يمكنه من تقديم رأي مستقل، والقول هنا: إن أدلة المراجعة لا ترقى للدليل القاطع الذي لا شك فيه، بل هي من نوع الأدلة الراجحة، لذا، فإن رأي المراجع لا يرقى للرأي المطلق، بل هو رأي ظني معقول، ومع ذلك فإن آليات التقاضي أمام المحاكم، عندما يفشل المراجع في تقييم الأدلة بشكل صحيح، تطالب المراجع بأن يعتمد في حكمه على أدلة أكثر حجية، وهذا ما نسميه في النظرية فجوة التوقعات.
فالمحاكم والمجتمع يتوقعان من المراجع الحصول على أدلة قطعية الدلالة قبل أن يطلق حكمه المهني، والمراجعون من جانبهم يؤكدون صعوبة الوصول إلى دليل من هذا النوع، ولهذا يكتفي المراجع بالدليل الراجح.
الدليل في المراجعة عبارة عن بيانات ووثائق وسجلات وملاحظات يستخدمها المراجع لتحديد ما إذا كانت المعلومات التي تتم مراجعتها تتفق مع المعايير الموضوعة، ويجب على المراجع أن يصمم وينفذ إجراءات المراجعة بغرض الحصول على ما يكفي من أدلة المراجعة المناسبة. وهذه العبارة الأخيرة موهمة بشكل واضح، فإثبات أن الأدلة كافية ومناسبة هو في الأصل حكم شخصي للمراجع، ويحتاج بذاته إلى إثبات، هكذا تدور المراجعة بكل جوانبها حول مشكلة الإثبات، ولهذا فإن وجود نظام للإثبات في المملكة سيلقي بظلال واسعة على المهنة، وفي ظني أن معايير المراجعة الدولية المطبقة في المملكة بشأن أدلة الإثبات في المراجعة تحتاج إلى مراجعة للتأكد من توافق أعمال المراجعين مع النظام، وأن أدلتهم كافية ومناسبة وفقا لهذا النظام ونوعية الدليل وحجيته، خصوصا تلك الأدلة التي تتضمن إقرارا من العملاء أو غيرهم من الخبراء، وهنا مجال واسع جدا للدراسات.
هناك فرق جوهري بين الإثبات كما هو في القضاء والنظام وبينه في المراجعة، ورغم أن الإثبات يعني الدليل على واقعة، فإن الفرق المقصود، وهو أن المراجع يجيب عن دليل لواقعة سينشئها فعلا، دليل على قضية لم ترفع بعد، دليل أنه بذل العناية المناسبة قبل أن يقف أمام القضاء، فالمراجع يوقع عقد الارتباط مع العملاء ولديه بعض القناعة أن القوائم المالية خالية من الأخطاء والغش، وقد تنتهي أعمال المراجعة وهو لم يعدل رأيه هذا أو تنتهي وقد عدل رأيه، لكنه في كل الحالات قد يمضي في تقديم رأيه وتنتهي المدد النظامية ولا تتم مساءلته، ومع ذلك فعليه أن يكون مستعدا في كل عملية أن يقدم من الأدلة ما يثبت أنه قام بالعناية الكافية، هذه العناية التي تعني أنه جمع الأدلة المؤيدة لقراره، لأنه عند المساءلة عليه أن يقدم ما يثبت ذلك وفورا، ومن أوراق عمله.
إنشرها