فوضى سلاسل التوريد والمشكلة المحورية «2 من 2»

عندما تصنع المنافسة العالمية حوافز قوية لخفض التكاليف، من الممكن أن تصبح حتى فوارق الأسعار الصغيرة التي يقدمها الموردون الأجانب جذابة، خاصة في الأمد القريب. في هذا العصر الذي يتسم بكثير من خيارات سوق الأسهم والمكافآت الضخمة، تدخل المصالح المالية أيضا كعامل في اعتبارات المديرين. يتمتع الرؤساء التنفيذيون بتعويضات فورية عندما يتمكنون من تحقيق تخفيضات التكلفة وزيادة الأرباح، في حين من المرجح أن تكون التكاليف الضخمة المترتبة على عدم اليقين في المستقبل أو حتى الإفلاس مشكلة شخص آخر.
هناك طريقة ثانية أكثر دقة، لكنها ليست أقل أهمية تستخدمها الشركات لتوسيع سلاسل توريدها بإفراط. المشكلة، كما تلاحظ مراجعة البيت الأبيض، تكمن في أن الولايات المتحدة عدت سمات معينة في الأسواق العالمية، خاصة الخوف من فرار الشركات ورؤوس الأموال إلى حيث تكون الأجور والضرائب والضوابط التنظيمية عند أدنى مستوى ممكن أمرا لا مفر منه. يعكس هذا البيان ملاحظة رجل الاقتصاد داني رودريك؛ المستبصرة أن العولمة لا تتعلق بالتجارة في السلع والخدمات فحسب، بل تدور أيضا حول تقاسم الريع. وعلى هذا، فإن عولمة سلاسل التوريد تشكل جزءا لا يتجزأ من التوازن المتحول بين رأس المال والعمالة.
تتمثل الآلية الأكثر وضوحا ومباشرة لهذه العملية في نقل المدخلات إلى الخارج، وقد يستغل المديرون مجرد التهديد به للإبقاء على الأجور منخفضة. يحدث هذا على كل من طرفي معاملة النقل إلى الخارج: فمن الممكن أن تدفع الشركات الأمريكية أقل لموظفيها من خلال تمديد سلاسل توريدها إلى دول مثل الصين أو فيتنام حيث الأجور أقل بالفعل نتيجة لضوابط العمل التنظيمية المتراخية.
تؤدي سلاسل التوريد المجزأة أيضا إلى زيادة الصعوبة التي يواجهها العمال في تنظيم أنفسهم للمفاوضة الجماعية؛ ما يصنع فائدة أخرى للشركات. وقد تجني الشركات حتى مزايا ضريبية من عولمة سلاسل توريدها، إذا سمح لها ذلك بتسجيل الأرباح في مناطق اختصاص منخفضة الضرائب.
يفرض هذا السبب الثاني مشكلات للاقتصاد الأمريكي أيضا. فهو يشير إلى أن المديرين سيميلون إلى عولمة سلاسل توريد شركاتهم حتى عندما لا يكون القيام بذلك أكثر كفاءة، وذلك ببساطة لأن هذا يسمح لهم بتحويل الريع بعيدا عن العمال ونحو المساهمين. هذا لا يفضي إلى إنشاء سلسلة توريد مفرطة التوسع فحسب، بل يعمل أيضا على تشويه عملية توزيع الدخل عن طريق قمع الأجور، خاصة أجور العمال من أصحاب المهارات المنخفضة والمتوسطة.
يقترح تقرير البيت الأبيض الإبقاء على قدر أكبر من سلسلة التوريد في الولايات المتحدة، خاصة في مجال التصنيع. لكن كيف يمكن تحقيق هذا؟ هنا، سيكون نهج ذو شقين هو الأكثر فعالية. فأولا، تعني الحاجة إلى حوافز ذات مغزى للشركات لحملها على الاستثمار في سلاسل التوريد المحلية ضرورة إلغاء المزايا الضريبية المقدمة لنقل المدخلات إلى الخارج، والحد من فرص المراجحة بين تنظيمات العمل.
لكن الأمر يتطلب إدخال تغييرات أخرى أكثر جوهرية. الواقع أن فوضى سلاسل التوريد العالمية تعد فرصة للولايات المتحدة لإجراء محادثة أوسع حول الاقتصاد وما الجدوى منه. وما دام الرؤساء التنفيذيون مهووسين بأداء سوق الأوراق المالية في الأمد القريب، ومدعومين بأيديولوجية قيمة المساهمين، فسيبحثون دوما عن طرق لتحويل الريع بعيدا عن عمالهم، مهما كانت المخاطر.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي