Author

الهند تبحث عن دور في أفغانستان لتفادي الأسوأ

|
بعد أن خسرت الهند موطئ قدم استراتيجيا، ومعها استثماراتها المليارية، في أفغانستان بعودة طالبان إلى السلطة في كابل في أعقاب الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية والغربية في آب (أغسطس) الماضي، بدأ واضعو الاستراتيجيات الهندية في البحث عن مشروع يتفادون من خلاله الأسوأ. والأسوأ هنا هو دخول أفغانستان في فوضى وحروب أهلية تتيح للقوى الإرهابية المتطرفة، كتنظيمي القاعدة وداعش، استعادة قواعدهما فيها وبالتالي تشكيل تهديد للأمن القومي الهندي.
ومن هنا دعت الهند أخيرا لتنظيم مؤتمر تنسيقي في نيودلهي على مستوى مستشاري الأمن القومي في الدول ذات المصلحة في استقرار أفغانستان والحيلولة دون تحولها إلى ملاذ آمن للإرهاب العالمي، وقام أجيت دوفال مستشار الأمن القومي الهندي بتوجيه الدعوة للمشاركة إلى باكستان والصين وإيران وروسيا وأوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان وقرقيزستان. ما حدث لاحقا هو رفض إسلام أباد الدعوة بطريقة متعسفة وغير دبلوماسية تجلت في قول مؤيد يوسف مستشارها للأمن القومي: "لن أذهب إلى نيودلهي. لا يمكن للمفسد - في إشارة إلى الهند - أن يلعب دور صانع السلام". وقد حذت بكين حذو إسلام أباد في رفض الدعوة الهندية، الأمر الذي عكس مدى تأزم علاقات كل من باكستان والصين مع الهند وفقدانهما الثقة بسياسات الهند من جهة، وعكس من جهة أخرى عزم باكستان أن تكون لها الكلمة الأولى في الشأن الأفغاني، خصوصا أنها أطلقت في وقت سابق آليتها الخاصة لمعالجة أوضاع أفغانستان من خلال اجتماع وزاري للدولتين المجاورتين للأخيرة استثنيت منه الهند - عقد الاجتماع الأول في إسلام أباد في سبتمبر الماضي، بينما عقد الاجتماع الثاني في طهران -، أما طهران وموسكو ودول آسيا الوسطى الدائرة في فلكها التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الهند فقد ردت بالموافقة، وشاركت بالفعل في المؤتمر الذي عقد في 20 تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم، وصدر عنه بيان يدعو إلى التعاون والتنسيق لمكافحة الراديكالية والتطرف والنزعات الانفصالية وتهريب المخدرات في المنطقة، ويؤكد الحاجة إلى وجود حكومة أفغانية منفتحة وشاملة وممثلة لجميع الأفغان من أجل عملية مصالحة ناجحة في البلاد.
وهكذا بات مفهوما أن نيودلهي تعتمد كثيرا في مسألة تعويض خسائرها في أفغانستان على روسيا رغم علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة. ذلك أن روسيا تعمل على تعزيز قدرة الهند على مواجهة الصين من خلال مبيعات الأسلحة الروسية المتطورة بهدف إبعادها عن واشنطن، فيما تتحرك الأخيرة من خلال مشرعيها على استثناء الهنود من قانون العقوبات المعروف باسم caatsa عند شرائهم معدات عسكرية روسية متطورة مثل نظام الدفاع الصاروخي S-400، والآخر المعروف باسم S-500، بهدف عدم إثارتهم وإبقائهم كحلفاء في مواجهة الصينيين. والمتوقع أن يزور فلاديمير بوتين الرئيس الروسي الهند في ديسمبر المقبل لحضور القمة السنوية بين الدولتين، ويتم خلال الزيارة توقيع صفقات سلاح ضخمة.
والمعروف أن روسيا تتمتع بميزة استعدادها لنقل تكنولوجياتها العسكرية المتطورة إلى الهند، على عكس الولايات المتحدة، سواء تعلق الأمر بالصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت أو الغواصات النووية أو أنظمة الدفاع الصاروخي القادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. غير أن المثير هنا هو أن روسيا تلعب بعدة وجوه في آن واحد، فهي لئن زودت الهند بهذه الأسلحة من باب تقويتها في مواجهة الصين، فإنها في الوقت نفسه تزود الصين بها من باب تقوية الصين في مواجهة الولايات المتحدة. ويمكن تلخيص هذا المشهد الغريب بأنه صراع محتدم بين القوى الثلاث الكبرى الأمريكية والصينية والروسية على النفوذ والتفوق الاستراتيجي، تستغل فيه الحاجات الدفاعية وغير الدفاعية لبعض القوى الإقليمية المتنافسة.
وبالعودة إلى المأزق الأفغاني يمكن القول: إن التعاون الهندي - الروسي، ودعم الروس للمبادرة الأمنية الهندية الأخيرة وعدم وجود تضارب في المصالح بين الدولتين في أفغانستان، هو خير تعويض لنيودلهي عن استبعادها من قبل إسلام أباد في المنتدى الوزاري لدول الجوار الأفغاني. إذ إن روسيا تمثلت في اجتماع المبادرة الهندية بنيقولاي باتروشيف سكرتير مجلس أمنها الذي صرح قائلا: "إن كل الآليات بشأن أفغانستان مفيدة ويجب أن يكمل بعضها بعضا، لا أن تتنافس وتقصي وتستثني". والمعروف أن موسكو انفتحت أخيرا على نظام طالبان الذي يبدو أنه بات أكثر ثقة بالروس بعد دعمهم مبدأ إجلاء القوات الأجنبية من أفغانستان كافة، وضغطهم على جمهوريات آسيا الوسطى كي ترفض منح قواعد أو تسهيلات على أراضيها للأمريكان للتدخل في أفغانستان إذا ما لزم الأمر. وبطبيعة الحال فإنه، والحالة هذه، ستكون موسكو في وضع أفضل من أي دولة أخرى لتأسيس نفوذ لها في أفغانستان أو للتدخل إذا ما سقط نظام طالبان لأي سبب، وبالتالي ستستفيد الهند من ذلك بحكم تعاون وشراكة الدولتين وعدم وجود تضارب أو تباين في مصالحهما.
إنشرها