أفكار مرعبة

نشر الدكتور جارفيلد بنجامين في كلية فنون وتكنولوجيا الإعلام في جامعة سولنت مقالا يتحدث فيه عن مشروع مستقبلي ضخم يعمل فيه الباحثون على اختراع شرائح تزرع في الدماغ البشرية تتمكن فيه الشركات الكبرى ووسائل التواصل الاجتماعي من قراءة أفكار الناس، من خلال ربط عقول البشر بأجهزة الكمبيوتر. مثل هذه الفكرة لن يصدقها كثيرون في وقتنا الحالي تماما، كما فعلت الأجيال البشرية السابقة في عدم تصديق فكرة الطيران والتلفاز والكهرباء والهاتف وغيرها من الأفكار والاختراعات الماضية. اليوم نعيش عصر الثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، فمن باب أولى أن نصدق مثل هذه الفكرة وغيرها من الأفكار المرعبة التي ربما ستنفع البشرية في جانب معين، لكنها ستدمرها في جوانب أخرى كثيرة.
في الماضي كانت الأمية تتمحور حول الشخص الذي لا يقرأ ولا يكتب، ومع التطور التكنولوجي أصبحت تطلق على الشخص الذي لا يستطيع العمل على الأجهزة الذكية والكمبيوتر، فيما بعد ستكون الأمية محصورة في الأشخاص الذين يرفضون زراعة مثل هذه الشرائح في عقولهم، في عالم ستطغى عليه المادية والروح العلمية والذكاء الاصطناعي. ولو تحدثنا عن الجانب المشرق في الأمر، فستكون هذه الشرائح مفيدة للكشف عن أصحاب الأفكار الإرهابية والإجرامية والانحرافات السلوكية والقبض على الفاسدين والقتلة والمتحرشين واللصوص قبل ارتكاب جرائمهم، لكن في الجانب المظلم هذه الفكرة ستعمل على تدمير ما تبقى من العلاقات الإنسانية والأسرية.
تخيل أن تكون أفكارك مكشوفة لكل أفراد أسرتك سواء كنت زوجا أو زوجة أو ابنا أو أخا أو أبا أو أما، سيتمكنون من قراءة أفكارك ومشاعرك الحقيقية نحوهم بكل شفافية، لن تتوارى خلف كذبة بيضاء أو مجاملة رقيقة أو تهرب لطيف، بل سيقرؤونك، كما أنت على حقيقتك، لحظتها ستدرك بشاعة أن ترى خيبات الأمل والانكسار في عيون من تحبهم حين يكتشفونك على حقيقتك، ولذلك حين ندعو: «اللهم استرنا بسترك»، فإننا في الحقيقة ندعو الله ألا يرى الآخرون منا ما لا نريدهم أن يروه أو يعرفوه عنا من سقطات وزلل وأخطاء ومشاعر حقيقية وأسرار دفينة وأفكار غير سوية وأمور مخجلة، مثل هذه الشرائح ستدمر الخصوصية البشرية التي يجب أن تحتفظ بشيء من خصوصيتها حتى عن أقرب المقربين إليها.
ورغم الوقت الزمني الطويل الذي سيستغرقه هذا الاختراع ليتم تطبيقه مستقبليا إلا أنني أؤمن بأنه آت لا محالة.
وخزة:
الذين يفتخرون بأنهم كتاب مفتوح للآخرين وقلوبهم بيضاء .. الوعد "قدام".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي