Author

قبل وبعد الموت

|
كتابات النعي بعد الوفاة وفاء للراحلين، وهي كتابات قد يعدها البعض متأخرة عطفا على التساؤل المشروع، "لماذا لم يحتف بهم قبل وفاتهم؟"، وتبدو الإجابة، لأن الكتابة عنهم في حياتهم احتفاء وفرح، وبعد وفاتهم وفاء وترح.
يؤخر البعض أفكارهم أو مواقفهم عن ومع الراحل، ويقدمها البعض الآخر، ويبدو أن الرحيل يحرك دوما الذكريات والمشاعر، ويذكر بأهمية وثقل من فقدنا إذا كان علما في مشهد ما، ويشعل "الغلا" الكامن والمتجذر إذا كان المفقود قريبا أو صديقا.
لا يمكن لمن فقد عزيزا أن يكف عن التمني لو أنه لم يرحل، ولعل بعض النعي وبعض الكتابة وإيراد المآثر جزء من هذا التمني، هكذا تبدو الصورة للمتأمل من خارج إطار الفقد، ولكن في داخل هذا الإطار تختلف الصورة إلى حد صعوبة تخيلها والحديث عنها.
نتألم بعمق إذا فقدنا عزيزا، ونفعل إذا فقد عزيز علينا عزيزا عليه، وفي أوساط الثقافة والكتابة والإعلام تألم كثيرون الأربعاء الماضي، لأن الراحل العلم عبدالله بن إدريس عزيز على من جايله أو عرفه أو عرف سيرته، ولأن اثنين من أبنائه هما إدريس وزياد - ربط الله على قلبيهما - عزيزان على كثير ممن في هذه الأوساط.
في رصد الخميس الماضي عنونت جريدتنا "الاقتصادية" في ملحقها الثقافي بعنوان مرهف يليق بالمقام هو "عبدالله بن إدريس.. رقة الشاعر ونقاء الأديب"، وكتب خالد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة، "ليكون آخر العمالقة - ربما - شيخنا عبدالله بن إدريس"، واستحضر المثقف القدير سعد البازعي مشاهد لا ينساها مع الراحل في النادي الأدبي في الرياض، وكشف الصحافي المخضرم بدر الخريف لمن لا يعرف - وأنا منهم - عن أنه "سجل عنه مبادرة غير مسبوقة بفتحه مجال المشاركة النسائية في النادي الأدبي".
الخريف ذكرنا أيضا بالجانب الإنساني الحاضر عند الشيخ الراحل ابن إدريس مستشهدا بقصيدته في زوجته عندما مرض الاثنان، "أأرحل قبلك أم ترحلين" التي وصفها الراحل الكبير الآخر غازي القصيبي بقوله، "لعلها أول وأجمل قصيدة رومانسية كتبها شاعر من صحراء نجد في زوجته".
كتبت ذات مرة عن "الموت منطقة مؤلمة، وأجواء الموت قاسية، والغياب يحبس الأنفاس والعبرات، لكن من ذكراه حاضرة حضور روحه العذبة يمد وجلنا بطمأنينة هي العزاء والدواء".
رحم الله الشيخ عبدالله بن إدريس، الذي خلد رحيله وحياته وشعره وعشقه ووفاءه لامرأة حياته بسؤال لها كأنه التضرع لخالقهما أن يرحل قبلها.
إنشرها