Author

سرعة التعافي الاقتصادي وتحسن الأداء المالي

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
صدر خلال الأسبوع الجاري عديد من المؤشرات الاقتصادية والمالية الإيجابية جدا، التي أكدت متانة المسار المتصاعد لنمو الاقتصاد الوطني، واقترانه باستمرار تحسن الميزانية العامة، حيث سجل النمو الحقيقي للاقتصاد معدل نمو إيجابي هو الأول من الربع الثاني لعام 2019 بلغ 1.5 في المائة خلال الربع الثاني من العام الجاري، وفقا للتقديرات السريعة للناتج المحلي الإجمالي الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، مدفوعا بالنمو الجيد للقطاع الخاص بمعدل بلغ 10.1 في المائة.
كما أعلنت وزارة المالية نتائج الميزانية الفعلية خلال الربع الثاني من العام الجاري، بارتفاع إجمالي الإيرادات الحكومية إلى 248.1 مليار ريال، مسجلة معدل نمو سنوي بلغ 85.2 في المائة مقارنة بحجمها خلال الربع نفسه من العام الماضي، مدفوعة بالنمو القياسي المتحقق للإيرادات غير النفطية الذي تجاوز 203.3 في المائة، لتصل إلى 116.0 مليار ريال "شكلت نحو 46.7 في المائة من إجمالي الإيرادات"، كما ارتفعت الإيرادات النفطية للفترة نفسها بمعدل سنوي بلغ 38.1 في المائة، لتصل إلى 132.2 مليار ريال "شكلت نحو 53.3 في المائة من إجمالي الإيرادات".
على جانب المصروفات الحكومية، سجلت ارتفاعا محدودا لم تتجاوز نسبته السنوية 3.9 في المائة، لتصل إلى 252.7 مليار ريال خلال الربع الثاني من العام الجاري، مدفوعة بنمو المصروفات الجارية للفترة نفسها بنسبة 7.9 في المائة، ووصولها إلى 230.8 مليار ريال، مقابل تراجع سنوي للمصروفات الرأسمالية بمعدل سنوي بلغ 25.1 في المائة، مستقرة عند مستوى 21.9 مليار ريال، وهو الجانب من الإنفاق الحكومي المخطط ألا يتجاوز بنهاية العام المالي الجاري سقف 101 مليار ريال، والاعتماد الأكبر في هذا الخصوص على الإنفاق الاستثماري المخطط له من قبل صندوق الاستثمارات العامة.
نتيجة لتلك التطورات الإيجابية للربع الثاني على التوالي في نتائج الميزانية العامة، فقد سجل العجز المالي تراجعا إلى 4.6 مليار ريال خلال الربع الثاني من العام الجاري، وليصل إجمالي العجز المالي عن النصف الأول من هذا العام إلى 12.1 مليار ريال، وبحال استمرت الأوضاع المالية الراهنة حتى نهاية العام المالي الجاري فسيكون العجز المالي المتوقع بنهاية العام أدنى بكثير مما قد تم تقديره في الميزانية التقديرية بنحو 141 مليار ريال، بما سيؤدي بدوره إلى مزيد من إحكام السيطرة على الدين العام وعدم وصوله إلى المستويات التقديرية البالغ حجمها 937 مليار ريال بنهاية العام المالي الجاري، ويجنب الميزانية تحمل مزيد من تكاليف نفقات التمويل (فوائد الدين العام)، وحسبما أظهرت البيانات المالية للميزانية خلال النصف الأول من العام الجاري أن الاعتماد الأكبر لأجل تمويل العجز المالي الحكومي، زاد من توجهه نحو الأسواق الخارجية مقارنة بالسوق المحلية، وذلك بهدف تخفيف المزاحمة الحكومية للقطاع الخاص على مصادر التمويل المحلية، وبالاعتماد على التصنيف الائتماني المرتفع الذي يتمتع به الاقتصاد السعودي خارجيا، ومستفيدا في الوقت ذاته من تدني معدلات الفائدة السائدة خلال الفترة الراهنة، وكل ذلك مع الأخذ ببقية العوامل الأساسية الأخرى ماليا واقتصاديا، من شأنه أن يسهم في توفير النوافذ الكافية من التمويل المحلي للقطاع الخاص، والحصول على سيولة خارجية بمعدلات فائدة متدنية، ومن ثم ضخها في الاقتصاد المحلي على البرامج والبنود التنموية الحيوية.
وفقا لتلك السياسات المتكاملة بين السياسة المالية من جانب أول يعتمد على حوكمة وترشيد النفقات الجارية، ومن جانب آخر السياسة الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة، يمكن القول: إن الدور التكاملي لتلك السياسات سيسهم في استمرار الدعم اللازم للاقتصاد الوطني، لما يمثله ذلك الإنفاق حتى الفترة الراهنة من أهمية عالية لدعم مختلف نشاطات الاقتصاد عموما والقطاع الخاص خصوصا، الذي جنى نتيجة لتلك الجهود والسياسات المتكاملة نموا بلغ 10.1 في المائة بنهاية الربع الثاني من هذا العام.
وبالطبع يخضع هذا المسار من الجهود والسياسات لوتيرة مستمرة من الإصلاحات والتطوير، حسبما يستجد من تطورات أو تحديات ومتغيرات، ووفقا لآليات ملتزمة بالبرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030، التي تسعى في مجملها إلى الوصول إلى أحد أهم الأهداف الاستراتيجية، المتمثل في رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 60 في المائة، وما تم إقراره كمنهجية تحفيزية له خلال الفترة 2021 - 2025 التي تضمنت إعلان مبادرات عملاقة بدعم كبير من الدولة، وبالاعتماد على عديد من الأجهزة الحكومية وشبه الحكومية، يتقدمها صندوق الاستثمارات العامة المخطط له إنفاق نحو 3.0 تريليون ريال خلال العقد الجاري، وحالة التأهب الكاملة لاجتذاب مزيد من استثمارات القطاع الخاص بنحو 5.0 تريليون ريال خلال العقد نفسه، وتدفقات مرتقبة بنحو 4.0 تريليون ريال تحت مظلة الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، الأمر الذي سينعكس في مجمله على استمرار برامج وسياسات زيادة مساهمة القطاع الخاص، واقتران كل ذلك بمزيد من الاعتماد الأكبر على المحتوى المحلي، إضافة إلى توسيع خيارات قنوات الاستثمار المحلية، وزيادة أعداد فرص العمل الملائمة أمام الموارد البشرية المواطنة، المقدر ارتفاع أعدادها خلال العقد المقبل بأعلى من 1.1 مليون فرصة عمل جديدة.
إنه الأمر المحوري الذي تم تأكيده بصورة مستمرة في توجهات السياسة المالية، بدءا من الميزانية العامة للعام المالي الجاري وما سيليه، والعمل لتحديد مسار العمل عليه عبر عديد من المحاور، كان أهمها: مواجهة التحديات المالية والاقتصادية الراهنة والمتوقعة بهدف المحافظة على المركز المالي للدولة، والمحافظة على مكتسبات النمو الاقتصادي التي تحققت في الفترة ما قبل أزمة جائحة كورونا، وتمكين الجهود الحكومية للعودة إلى مسار النمو والتعافي من الأزمة، إضافة إلى توجيه الإنفاق الحكومي وتركيزه على القطاعات ذات الأولوية والعائد الاقتصادي الأعلى، والعمل وفق منظومة متكاملة على استراتيجيات متعددة، تستهدف تعزيز استقرار الإنفاق الحكومي، مع مواصلة الصرف على برامج تحقيق الرؤية والمشاريع التنموية الكبرى "صندوق الاستثمارات العامة"، واستمرار الصرف أيضا على برامج منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية.
إنشرها