Author

العالم السيبراني .. توجهات دولية «2 من 2»

|
بين المقال السابق أن منظمة الأمم المتحدة UN تعمل على تلبية متطلبات العالم السيبراني، وتهتم بالاستجابة لمتغيراته، وذلك في سعيها إلى تحقيق أهدافها المطروحة في ميثاقها. وأوضح المقال، في هذا السبيل، توجهات المنظمة نحو تحقيق السلامة في استخدام وسائل العالم السيبراني، ونشر الثقافة المطلوبة لهذا العالم بين الجميع، والاهتمام بالبنى الأساسية اللازمة له، إضافة إلى العمل والتعاون بين الدول على كل ذلك. واستند المقال فيما قدمه إلى قرارات صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووثائق أخرى مختلفة.
يستكمل هذا المقال معطيات المنظمة للعالم السيبراني، ويطرح المؤتمرات الدولية التي رعتها بشأنه، كما يهتم بشؤون تعاونها مع الاتحاد الدولي للاتصالات ITU، ونشاطات هذا الاتحاد. ثم يركز على المنظومة المعلوماتية التي بنتها المنظمة، ومكتب تقنيات المعلومات والاتصالات UN-OICT الذي أنشأته.
لعل من المناسب في طرح مؤتمرات منظمة الأمم المتحدة أن نعود إلى عام 2000 حينما عقد مؤتمر قمة الألفية برعايتها، وأصدر ما عرف بالأهداف الإنمائية للألفية MDG. وقد ورد بين هذه الأهداف ضرورة التوجه نحو توفير التقنيات المفيدة للتنمية على نطاق واسع، خصوصا تقنيات المعلومات والاتصالات. ونظرا للأهمية المتزايدة لهذه التقنيات منذ ذلك الوقت أفرز مؤتمر قمة الألفية مؤتمر قمة آخر، اتصف بالتخصص هو مؤتمر قمة مجتمع المعلومات WSIS الذي عقد على مرحلتين، الأولى في جنيف Geneva عام 2003، والثانية في تونس عام 2005، وذلك بالتعاون مع الاتحاد الدولي للاتصالات.
طرح مؤتمر قمة المعلومات أهدافا تركزت في جانبين رئيسين: جانب يختص بالبنية التقنية لمجتمع المعلومات، وجانب يتعلق ببنيته البشرية. اهتم جانب البنية التقنية بتمكين جميع الناس من تقنيات المعلومات والاتصالات من جهة، ومن تمكين جهات الخدمات من هذه التقنيات من جهة أخرى. وشملت جهات الخدمات - التعليم، والصحة، والخدمات الحكومية، وغيرها. أما جانب البنية البشرية فركز على تطوير مناهج التعليم العام لتأهيل الجميع بالمهارات اللازمة لاستخدام تقنيات المعلومات والاستفادة منها من جهة، وتحفيز إمكانات الجميع باتجاه المشاركة في إثراء المحتوى المعلوماتي للإنترنت بشتى لغات العالم من جهة أخرى. وأدى العمل على تحقيق هذه الأهداف على مستوى العالم، إلى التوسع في استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات والإنترنت والخدمات المرتبطة بها، والتوسع بالتالي في إمكانات العالم السيبراني، وزيادة اعتماد العالم المادي عليه.
كان للاتحاد الدولي للاتصالات كهيئة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة، إضافة إلى جهوده في مؤتمر قمة مجتمع المعلومات، جهود أخرى في وضع معايير لتقنيات العالم السيبراني وأساليب استخدامها والاستفادة منها. فقد شملت جهوده عقد مؤتمرات مختصة تطرح شؤون هذا العالم، خصوصا في مجال الأمن السيبراني Cybersecurity. ونظرا لأهمية هذا الأمر عالميا، تم عقد هذه المؤتمرات في مختلف مدن العالم، ولعل بين أبرز هذه المؤتمرات، من حيث النتائج مؤتمر بودابست Budapest عاصمة هنجاريا الذي عقد عام 2001، ومؤتمر بوزان Busan المدينة الكورية الذي عقد عام 2014.
طرح مؤتمر بودابست ثلاثة محاور رئيسة لمكافحة سوء الاستخدام الإجرامي لتقنيات المعلومات والاتصالات. تضمن المحور الأول الاهتمام بوضع معايير عامة Common Standards للحماية من الجرائم السيبرانية. وشمل المحور الثاني التعاون وبناء القدرات البشرية المؤهلة Capacity Building. ثم اهتم المحور الثالث بالتقييم المستمر والمتابعة Follow-up and Assessment.
أما مؤتمر بوزان، فقام بتقديم ثلاث توصيات رئيسة. تضمنت التوصية الأولى تفعيل دور الاتحاد الدولي للاتصالات في تنظيم استخدام تقنيات العالم السيبراني وتعزيز الثقة بها. أما التوصية الثانية فدعت إلى اتفاقية أمن سيبراني دولية Global Cybersecurity Treaty تعزز التعاون بين الدول على حماية هذا الأمن. واهتمت التوصية الثالثة بدعوة أصحاب العلاقة المستفيدين من الأمن السيبراني في المجالات المختلفة Multi-Stakeholders إلى الحوار بشأن حماية هذا الأمن والشراكة في تحقيق هذه الحماية. وتستمر نشاطات الاتحاد الدولي للاتصالات في عقد المؤتمرات، ووضع المعايير، وتعزيز التعاون على مستوى الدول، وعلى مستوى أصحاب العلاقة في شتى أنحاء العالم من أجل تفعيل الاستفادة من العالم السيبراني وحماية نشاطاته.
وننتقل إلى المنظومة المعلوماتية الخاصة بمنظمة الأمم المتحدة التي جرى التعبير عنها عبر استراتيجية الأمين العام للمنظمة الخاصة بالبيانات، والمرتبطة بهذه المنظومة. في هذا المجال، نجد أن رؤية هذه الاستراتيجية تقول إنها تتطلع إلى بناء منظومة معلوماتية لمنظمة الأمم المتحدة تسعى إلى إزالة العوائق أمام الاستفادة الكاملة من البيانات، من أجل اتخاذ قرارات سليمة لمصلحة الإنسان والعالم بأسره.
تبين الاستراتيجية أن التعامل مع البيانات يجب أن يشمل: تحليل البيانات من أجل فهم مضامينها، وإدارة البيانات من أجل تأمين وصولها إلى أصحاب العلاقة أينما كانوا. وتبين الاستراتيجية توجهاتها التي تتضمن: الاهتمام بالإنسان ومهاراته وثقافته، وحوكمة البيانات على أساس أنها رصيد مشترك بين جميع أصحاب العلاقة، والشراكة مع جهات خارجية مهمة ومناسبة، إضافة إلى تأمين بيئة تقنية مناسبة لتمكين المستخدمين من تحقيق أفضل أداء ممكن. ويتولى مكتب تقنيات المعلومات والاتصالات UN-OICT، الذي أنشأته المنظمة، مسؤولية التعامل مع شؤون المعلومات في المنظمة على امتداد العالم بأسره.
وهكذا يكون هذا المقال وسابقه قد ألقيا الضوء على جهود منظمة الأمم المتحدة في شؤون العالم السيبراني. فقد ركز المقال السابق على المتطلبات التي حظيت باهتمام المنظمة وتضمنت سلامة استخدام وسائل العالم السيبراني، والثقافة المطلوبة لهذا العالم، والبنى الأساسية اللازمة له، والعمل والتعاون على تلبية متطلبات هذه الموضوعات. أما المقال الحالي فقد اهتم بالنشاطات التي تسعى إلى تلبية المتطلبات، وشمل ذلك المؤتمرات الدولية العامة والمختصة التي شاركت فيها المنظمة وتعاونت مع الاتحاد الدولي للاتصالات. ويستمر هذا الاتحاد في عقد مؤتمراته وإصدار وثائقه في شؤون العالم السيبراني. تضاف إلى ذلك جهود منظمة الأمم المتحدة بشأن بناء منظومة معلوماتية خاصة تفعل نشاط المنظمة حول العالم وتعزز أداءها. والأمل أن يواكب اهتمام المنظمة بهذا الموضوع المعطيات المتجددة لتقنيات العالم السيبراني.
إنشرها