Author

العالم السيبراني .. توجهات دولية «1من 2»

|
يطرح ميثاق منظمة الأمم المتحدة UN Charter في مادته الأولى أربعة أهداف على المنظمة أن تعمل على تحقيقها. يقضي أول هذه الأهداف بالمحافظة على السلام والأمن على المستوى الدولي. ويهتم الهدف الثاني ببناء علاقات صداقة بين الدول. ويركز الهدف الثالث على السعي إلى تحقيق تعاون بين الدول يؤدي إلى حل المشكلات الدولية في المجالات الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والإنسانية. ويرى الهدف الرابع أن المنظمة يجب أن تكون مركزا للتوافق والعمل المشترك على تحقيق أهدافها المنشودة.
إذا نظرنا إلى هذه الأهداف من خلال محوري المضمون، والعمل لوجدنا أن محور المضمون يهتم ببناء بيئة تعامل سليمة بين الدول شعارها التعاون، ويرى أن مجالات هذا التعاون التي يمكن أن تقرب بين الدول واسعة تشمل مختلف نواحي الحياة. أما محور العمل فيقضي بأن تسعى المنظمة إلى تعزيز بيئة التعامل، وتفعيل التعاون، وأن تكون، إضافة إلى ذلك، مركزا لهذا التعاون. ولعلنا نلاحظ هنا أن تعبير المركز Center الوارد في ميثاق المنظمة يعبر عن مبدأ عدم انحياز المنظمة إلى أي من هذه الأطراف، فمفهوم المركز عادة يمثل منطقة وسطى بين الجميع.
استهدف ميثاق الأمم المتحدة العالم المادي، فلم يكن العالم السيبراني قد بدأ حينما صدر هذا الميثاق. وبالطبع كان على هذا الاستهداف أن يتطور بتطور العالم المادي، مستجيبا للمتغيرات وجاهزا للمتطلبات. وكما أشرنا في مقالات سابقة، فإن العالم السيبراني هو امتداد ذكي للعالم المادي، يقدم له خصائص مهمة ومؤثرة من ناحية، ومتجددة في تميزها من ناحية ثانية. تعمل الخصائص المهمة لهذا العالم على تفعيل التعامل المعلوماتي على مختلف المستويات، وأثرها في ذلك هو توفير الجهود وتحسين الأداء، وفتح آفاق جديدة غير مسبوقة للعمل والنشاط في شتى مجالات الحياة، وذلك على الجانبين المهني والاجتماعي. وتسعى خصائص التجدد والتميز إلى الإبداع والابتكار مستهدفة تفعيلا أكبر للتعامل المعلوماتي، وتأثيرا أعمق له، وأوسع انتشارا.
واستنادا إلى ما سبق، كان على منظمة الأمم المتحدة أن تهتم بالعمل على تحقيق أهدافها، ليس فقط بالشكل التقليدي للعالم المادي، بل في إطار خصائص العالم السيبراني أيضا. وغاية هذا المقال، والمقال المقبل الذي يتبعه، هي إلقاء الضوء على ما قامت وما تقوم به هذه المنظمة تجاه العالم، حيث يبرز ذلك معالم رئيسة ينبغي لدول العالم الاهتمام بها، وملاحظة جوانب التقصير بشأنها إن وجدت.
شملت معطيات منظمة الأمم المتحدة بشأن العالم السيبراني قرارات من الجمعية العامة GA، وتقارير مختصة، ونشاطات تشمل مؤتمرات على مستويات مختلفة، وتعاونا مع الاتحاد الدولي للاتصالات ITU، وهو هيئة مختصة تتبع الأمم المتحدة، ويضاف إلى ذلك إقامة وحدة خاصة ضمن المنظمة تعرف بمكتب منظمة الأمم المتحدة لتقنيات المعلومات والاتصالات UN-OICT. وتحاول هذه المعطيات الاستجابة إلى احتياجات العالم السيبراني التي تمكنه من خدمة العالم المادي بالشكل المأمول. وسنطرح في هذا المقال، والمقال المقبل - بمشيئة الله- ، أمثلة يؤمل أن تقدم صورة تعكس هذه المعطيات.
اهتمت منظمة الأمم المتحدة بمكافحة سوء الاستخدام الإجرامي لتقنيات المعلومات Combating Criminal Misuse of IT. وحول هذا الموضوع أصدرت الجمعية العامة للمنظمة قرارين أحدهما في مطلع عام 2001 وثانيهما في مطلع عام 2002. وتعزيزا لهذه المكافحة وسعيا نحو إقامة بيئة مناسبة لها، ركزت المنظمة على موضوع بناء ثقافة عالمية للأمن السيبراني Cybersecurity Culture، وأصدرت عبر جمعيتها العامة قرارا خاصا بهذا الموضوع عام 2003. وأعقب ذلك، عام 2004، صدور قرار آخر ركز على هذه الثقافة من جهة، وأضاف إليها ضرورة حماية البنى المعلوماتية الأساسية المهمةCritical Information Infrastructure، حرصا على استمرار خدمات العالم السيبراني حول العالم.
أكدت المنظمة مرة أخرى ما سبق في قرار أصدرته عام 2010، عبر جمعيتها العامة، وتميز هذا القرار بالتركيز على جهود دول العالم في قضايا مكافحة سوء استخدام تقنيات المعلومات، وبناء ثقافة الأمن السيبراني، وحماية البنى المعلوماتية الأساسية. وبذلك تكون المنظمة قد طرحت أسسا لكل من محور مضمون البيئة المناسبة للتعامل عبر العالم السيبراني، ومحور العمل على بنائها. فالمضمون هنا يتمثل في مكافحة سوء الاستخدام، ونشر الثقافة المطلوبة، والاهتمام بالبنى الأساسية، أما العمل فيتجلى في جهود دول العالم والتعاون فيما بينها.
وإضافة إلى القرارات وما احتوته، قدمت منظمة الأمم المتحدة تقارير عن النشاطات الخاصة بها والنشاطات التي تجري تحت رعايتها. وسنقدم ثلاثة أمثلة على مثل هذه التقارير من أجل بيان موضوعات النشاطات التي تحظى باهتمام المنظمة. في إطار النشاطات الخاصة بالمنظمة، هناك تقرير، صدر عام 2013، وتحدث عن متطلبات التعامل مع المعلومات في عمل المنظمة، وأهمية هذا التعامل، وتأمين الحماية اللازمة له. وتبع هذا التقرير تقرير آخر عام 2020، تم فيه طرح ما سمي باستراتيجية الأمين العام للبيانات التي تسعى إلى بناء منظومة معلوماتية متكاملة للمنظمة هدفها الإسهام في سلامة قرارات المنظمة لما في ذلك من مصلحة للجميع. وفي إطار النشاطات التي ترعاها المنظمة، تم عام 2015، عبر فريق من الخبراء الحكوميين، إصدار تقرير حول تنمية بنى الاتصالات وتقنية المعلومات من أجل التنمية الشاملة والأمن العالمي.
وتبقى هناك تفصيلات ونشاطات أخرى للمنظمة في شؤون العالم السيبراني تستحق البيان، وسنعود إليها في المقال المقبل - بإذن الله - لاستكمال الصورة. ولعل خلاصة هذا المقال تتمثل في إلقاء الضوء على طرح المنظمة لمتطلبات العالم السيبراني على أنها تشمل الحرص على سلامة استخدام وسائل العالم السيبراني، ونشر الثقافة المطلوبة لهذا العالم، والاهتمام بالبنى الأساسية اللازمة له، ويضاف إلى ذلك العمل والتعاون على المستوى الدولي للاستجابة لهذه المتطلبات. وسيعطي المقال المقبل مزيدا حول هذا الموضوع، بما في ذلك تعاون المنظمة مع الاتحاد الدولي للاتصالات، والمؤتمرات الدولية التي عقدت في هذا المجال، إضافة إلى الجهود المرتبطة بالحالة السيبرانية للمنظمة، مع بعض الملاحظات... يتبع.
إنشرها