Author

معارضة التطعيم

|
التردد والاعتراضات والتشكيك في التطعيمات ضد الأمراض، ليس أمرا جديدا، فمنذ اكتشاف أول تطعيم للجدري في القرن الـ 19، ارتفعت الأصوات التي تقف ضده. يبرر المعارضون للتطعيم مواقفهم بدواع صحية ودينية وسياسية، أو لمعتقدات وفلسفات وافتراضات شخصية، أو للحصول على مزيد من المعلومات. وتبقى الأسباب الصحية أهم العوامل التي يستخدمها معارضو التطعيم. وتعد الحساسية من تطعيمات معينة أو مكوناتها لدى نسب محدودة من الناس، من أبرز الأسباب الصحية والمقبولة لرفضها.
يبرر معارضو اللقاحات اختفاء الأمراض المعدية، بتحسن الرعاية الصحية والتغذية وازدياد مستويات النظافة، وليس بسبب التطعيمات، ولهذا لا ضرورة لها. وهذا غير صحيح، حيث عاود ظهور وازدياد حالات كثير من الأمراض المعدية، كالحصبة والدفتيريا والسعال الديكي، في عدد من البلدان، التي تراجعت فيها نسب التطعيم. من جهة أخرى، يشكك المعارضون في فاعلية التطعيمات لإصابة نسب قليلة من المطعمين بها. وهذا أمر متوقع، حيث لم يدع أحد أنها فاعلة 100 في المائة، ما يعني إمكانية إصابة نسب محدودة مع حدوث أعراض أقل خطورة من المرض. وتؤكد البيانات الإحصائية أن التطعيمات عموما تنقذ نسبا كبيرة من الناس وتعود بالمنفعة على المجتمع.
ترتفع أصوات المعارضين كثيرا عند حدوث أضرار جانبية للقاحات، ويسيئون في الوقت نفسه استخدام البيانات التي تفيد بوقوع أضرار أو حتى وفيات في أثناء التجارب أو عمليات التطعيم. وتتعرض عينات التجارب الكبيرة لمخاطر متعددة، وكثير منها عشوائي، حيث قد تحصل أضرار كبيرة لنسب نادرة من عينات التجارب، لكنها تحدث مصادفة ولا تمثل مخاطر إحصائية معتبرة تقلل من نجاعة التطعيمات المقرة من السلطات الصحية المختصة. طبعا، يبالغ المعارضون للتطعيمات بالمخاطر، وينشرون على وسائل التواصل أي محتويات تشير إلى أعراض خطيرة أو وفيات ليست بالضرورة مرتبطة بالتطعيم، ويصرون على الربط بينها وبين التطعيم دون دليل أو علاقة علمية رزينة، ما يثير الفزع في قلوب كثيرين. ولا تقر السلطات الصحية الرسمية في دول العالم أي لقاحات حتى تثبت سلامتها وعدم تسببها في أعراض خطيرة أو وفيات، كما يتم التحقق والمراجعة الدقيقة لأي حالات آثار جانبية خطرة أو وفيات، وتوقف التطعيمات في حالة ارتفاع فرص تسببها في المخاطر.
يعارض البعض أخذ التطعيمات لأسباب أخرى متعددة، أبرزها فقدان الثقة بشركات الأدوية ومطوري التطعيمات واتهامهم بالجشع ومحاولة استغلال الأمراض للكسب المادي وإخفاء مخاطر التطعيمات والأدوية عموما. من جهة أخرى، تنخفض ثقة آخرين بالمنهج العلمي والأبحاث، ما يثير شكوكهم في كل أمر مستجد، بما في ذلك التطعيمات. ويفضل بعضهم استخدام ما يسمونه العلاجات الطبيعية، ويبالغون في قدرتها على التصدي للأوبئة. ويعود جزء كبير من الشك في اللقاحات إلى القصور المعرفي والتشكيك المبالغ فيه في البحث العلمي من بعض أصحاب الميول والأهداف غير النبيلة. إضافة إلى ذلك، يفقد كثيرون الثقة بالحكومات وسياساتها - خصوصا في الغرب -
وتتهم بالفساد وخدمة مصالح جماعات الضغط. وتكثر حاليا هذه الأقاويل بسبب ازدياد المصدقين بنظرية المؤامرة وتسميم وسائل التواصل الاجتماعي لعقول كثير من الناس بها.
تعتقد جماعات دينية من أديان مختلفة حول العالم، بتعارض التطعيم مع معتقداتها. ويبدي بعض رجال الدين معارضة قوية للتطعيم، ما ينتج إحجام أعداد كبيرة عنه. وتحرم بتاتا شرائح دينية محدودة التطعيم، كالمسيحيين العلميين والكويكر، لكن الفئات الدينية الأكثر تحرم تطعيمات معينة بسبب الشكوك في استخدام مواد محرمة، كالأجنة أو الجيلاتين المصنع من حيوانات معينة، أو لأي أسباب أخرى. وقادت ادعاءات بعض المفتين في نيجيريا في كون التطعيمات مؤامرة ضد المسلمين، إلى زيادة حالات شلل الأطفال والحصبة في نيجيريا خلال الأعوام الأخيرة. من جهة أخرى، توجد اعتقادات وفلسفات ترى أن التعرض للفيروسات والأمراض يقوي المناعة الطبيعية وأفضل من استخدام اللقاحات. كما يشيع بعض المعارضين أن الأمراض المطعم عنها ليست بالخطورة المعلنة، وأن لديهم المناعة الكافية للتغلب عليها، نظرا إلى أوضاعهم الصحية الجيدة والنظافة والتغذية السليمة.
في بداية الأوبئة، يدفع الخوف من استخدام مواد جديدة أو إدخالها في الجسد، كثيرين إلى رفض التطعيمات حتى تثبت مع مرور وقت طويل سلامتها وقدرتها على رفع المناعة ضد الأمراض الوبائية. ويهول المعارضون للتطعيم من مخاطره حتى لو كانت ضئيلة أو محدودة جدا وبسيطة، ويتناسون المكاسب من التطعيمات حتى لو كانت هائلة، وذلك «لحاجة في نفس يعقوب». عموما، فإن جل أسباب رفض التطعيمات - عادة - غير مثبتة ومقنعة علميا وغير صحيحة. ويساعد التعليم والشفافية على الحد كثيرا من مخاوف المترددين في أخذ التطعيمات. كما ينبغي التصدي بحزم للمعلومات المضللة والمغلوطة والكاذبة، التي تصاعدت حديثا مع استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي، ما سرع ونشر الذعر بين الناس وأحبط جهود التطعيم، خصوصا ضد جائحة كورونا هذه الأيام. وتتحمل السلطات الصحية والممارسون الصحيون مسؤولية التجاوب قدر الإمكان مع المترددين في التطعيم والصبر وإمضاء الوقت اللازم معهم وتوفير الأجوبة السليمة والمفهومة والمقنعة عن أسئلتهم وتبديد مخاوفهم. ويجبر ارتفاع نسب المترددين والممتنعين عن التطعيم، دول العالم على تقنين إلزامية التطعيم للحد من انتشار الأمراض المعدية للحد من الآثار الكارثية للأوبئة والوصول إلى المناعة الجماعية في مجتمعاتها.
إنشرها