Author

منصات الأعمال الخيرية وتحدي استدامة العطاء

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
لا شك أن العمل الخيري والتبرعات هي جزء وركيزة في حياة المسلم والمجتمع في المملكة، وقد شهدت العقود الماضية حرص المواطن على التبرع لأعمال الخير رغبة في الأجر والثواب وليرى السعادة في أعين المحتاجين إلى المال أو الدعم، منذ أن تم إطلاق منصة إحسان لجمع التبرعات مع مطلع هذا الشهر المبارك رمضان لعام 1442هـ لتضاف إلى منصات فرجت وجود الإسكان حققت أرقاما هائلة في شهر واحد وصل إلى ما يقارب 780 مليون ريال، واستفاد منها ما يصل إلى مليون و800 مستفيد من هذه التبرعات بشكل مباشر وأضعاف بشكل غير مباشر من أبناء وعائلة ومشاريع مثل المساجد وخدمات صحية وغيرها، كما أنها شهدت تفاعلا هائلا من المجتمع شجع كثيرين على التبرع بسبب الوصف الدقيق للحالات التي تحتاج إلى تبرع مع حفظ خصوصية المحتاج، ما شجع البعض على انتقاء الحالات التي يرى أنها الأشد حاجة، ما شجع كثيرين إلى المشاركة للتبرع له، وهو عمل لا شك أنه مميز وقلل بشكل كبير من وصول الأموال لغير مستحقيها أو التبرع بشكل عشوائي لحالات غير معلوم حاجتها إلى الصدقة وهو يؤكد جانب الإحسان المتأصل في المجتمع ومع الوعي والتنظيم سيكون لذلك أثر في فرص تحسين أوضاع المحتاجين وفاعلية التبرعات، ولذلك من المهم اليوم أن يكون العمل الخيري والاجتماعي منظومة ذات احترافية عالية تهتم بالمحتاجين من خلال تحديد نوع الاحتياج وأهمية العمل على تغطية هذا الاحتياج بطرق متنوعة وموثوقة يتأكد من خلالها وصول التبرع إلى المحتاج إليه. لقد حققت - بحمد الله - منصة إحسان وفرجت بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات العلاقة والمميزة في إنجازاتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي مزايا احترافية عالية في عرض الحالات ومقدار الاحتياج، وفي منصة إحسان تم تضمين فرص التبرعات تفاصيل تتضمن مشاريع وبرامج متنوعة وطرق عرض احترافية، حيث تم عرض صور كثيرة من أوجه الاحتياج للإعانة في المملكة، وتظهر شفافية العمل من خلال عرض حجم الاحتياج والنسبة المغطاة منه.
مما تميزت به المنصة وجود مشاركة فاعلة من مجموعة من أعضاء هيئة كبار العلماء في المملكة، حيث إن مشاركتهم الفاعلة - وفقهم الله - ستؤثر بشكل كبير في كفاءة عمل المنصة من جهة تحديد أشكال الاحتياج التي يقبل التبرع لها، إضافة إلى فرز الحالات التي تستحق الزكاة والأخرى التي لا تستحق الزكاة، إضافة إلى تصنيف أهمية الاحتياج للحالات، وما يكون له أثر أكبر للمجتمع، إضافة إلى مسألة مهمة وهي التعريف بعظم الأجر والثواب للأنواع المختلفة من الحاجات، فمشاركتهم المستمرة والفاعلة سيكون لها أثر كبير في فاعلية وكفاءة عمل المنصة، إضافة إلى تشجيع شريحة واسعة من المجتمع للمشاركة. كما أن مشاركتهم العلمية في توسيع أوجه عمل المنصة، حيث إنها تسهم في مسائل فقهية متعلقة بالتبرعات مثل مسألة زكاة الفطر التي تعد واحدة من الخيارات في المنصة لتكون ليست فقط خاصة بزكاة الفطر من صنف واحد من الأصناف، بل تشكل ما يمكن أن تنطبق عليه المعايير في الفقه ويخدم المجتمع، كما تشمل مسائل تتعلق بالزكاة، حيث لا يكون خيارا واحدا، بل فرز للحالات جميعها التي تستحق الزكاة وإدراجها من ضمن الخيارات بدلا من أن تكون الزكاة خيارا واحدا، كما تشمل مسائل تتعلق بالكفارات، حيث تكون هذه المنصة تغطي هذا الجانب ويمكن أن تنشر المعرفة بين أبناء المجتمع في هذا الجانب.
منصة إحسان اليوم أمام تحد كبير وهو استدامة التبرعات بعد مواسم مثل شهر رمضان، حيث إن أغلب الناس يفضل إخراج صدقته في هذا الشهر، لكن مسألة التبرع ينبغي أن تكون جزءا من أسلوب حياتنا ويومياتنا فـ"أحب العمل إلى الله - سبحانه وتعالى - أدومه وإن قل" كما جاء عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ومن المهم أن تعمل المنصة لكي تكون جزءا من يوميات المجتمع بما يعظم من أثرها وفاعليتها.
الخلاصة: إن وجود المنصات الرقمية للتبرعات هو جهد كبير ومميز ويقدم خدمة كبيرة للمجتمع سواء للمتبرع أو المحتاج إلى هذا التبرع أو للمجتمع عامة، خصوصا في المشاريع الخدمية الوطنية، والتحدي اليوم هو في قدرة منصة إحسان أن تجعل التبرع جزءا من يوميات أفراد المجتمع وليس فقط في مواسم مثل شهر رمضان، ومن هنا يمكن أن تدخل في مسائل مثل الكفارات، إضافة إلى تقديم معلومات أكثر فيما يتعلق بالحالات المستحقة للزكاة، والاستمرار في التعريف على نطاق واسع بالحالات المحتاجة، ورصد النتائج للاستمرار في التحديث والتطوير.
إنشرها