قضية كبار السن وآثارها الاقتصادية المجتمعية

 تواجه معظم بلدان العالم اليوم تحدياً متوقعاً يمكن تجاوزه وإن كان له آثار عميقة على المجتمعات والاقتصادات، هذا التحدي هو تزايد أعداد كبار السن. رغم تعدد الدعوات للتحرّك والعمل، تظلّ هذه القضية على هامش الاهتمامات، ولا سيّما عند مقارنتها باتجاهات محورية أخرى، مثل تغيّر المناخ والتحوّل الرقم.

فهم التغيرات الديموغرافية

قضية كبار السن: لماذا يتم التغافل عنها رغم أهميتها؟ ثمّة 3 محاور رئيسية للتغيرات الديموغرافية لم تحظَ بالفهم المناسب، الأمر الذي نعتقد أنه يُسهم في محدودية التركيز على السياسات ذات الصلة.

أولا : التزايد السريع لنسبة كبار السن في الاقتصادات النامية: تشهد البلدان النامية ارتفاعاً في أعداد كبار السن بوتيرة أسرع بكثير مما شهدته البلدان المتقدمة، على سبيل المثال، احتاجت فرنسا إلى نحو 115 عاماً لكي تتضاعف نسبة السكان البالغين من العمر 65 عاماً فأكثر من 7% إلى 14%، بينما يُتوقع أن تمر بلدان كثيفة السكان، مثل البرازيل، والصين، والهند وفييتنام، بمرحلة التحوّل نفسها في أقل من 30 عاماً.

ثانيا : التأثير في جميع مناطق العالم: يشمل تأثير ارتفاع معدلات طول العمر جميع مناطق العالم دون استثناء، ففي منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، على سبيل المثال، يُتوقع أن يصل عدد كبار السن قريباً إلى مستويات مُماثلة لما تشهده أوروبا، حيث سيرتفع من نحو 70 مليوناً عام 2020 إلى نحو 235 مليوناً بحلول 2050، ورغم ذلك، غالباً ما ينصب التركيز على معدلات الخصوبة وحجم القوى العاملة في هذه المنطقة.

ثالثا : فرص التمتع بحياة طويلة وصحية: يشهد العالم اليوم، وللمرة الأولى في تاريخه، وجود نحو مليار شخص، تراوح أعمارهم بين 60 و79 عاماً، يتمتع أغلبهم بصحة جيدة. فبحسب دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي شملت أكثر من 40 بلداً، يتمتع الشخص الذي بلغ السبعين من عمره 2022 في المتوسط، بقدرات إدراكية تعادل ما كان يتمتع به مَن بلغ سن 53 عاماً عام 2000.

ضرورة تسريع وتيرة التعامل مع قضية كبار السن 

تمثّل قضية تزايد أعداد كبار السن وارتفاع معدلات العمر تحدياً معقّداً، يتطلب من البلدان والمؤسسات الإنمائية استجابة فعّالة. هذه المسألة لها تأثيرات كبيرة في عديد من القطاعات الحيوية، بما في ذلك الصحة، والحماية الاجتماعية، والمعاشات التقاعدية، والتوظيف، والتمويل.

وضع إطار سياسات يلبي احتياجات كبار السن

يعرض التقرير استجابة شاملة على مستوى السياسات لظاهرة تزايد أعداد كبار السن، تستند إلى ثلاث ركائز أساسية:

أولا : تحسين صحة كبار السن: يتعين على البلدان اتخاذ إجراءات شاملة في جميع مراحل العمر—من الطفولة إلى الشيخوخة— لضمان تمتع الأفراد بصحة جيدة، فتحسين الصحة يساعد على الحفاظ على نشاط الأفراد وإنتاجيتهم مع تقدمهم في العمر، وفي الوقت ذاته يقلّل من تكاليف الرعاية الصحية، ويعزز الرفاهية، ويدعم الاقتصاد بوجه عام. ويمثّل التمتع بالصحة في مرحلة الشيخوخة جزءاً محورياً من الهدف الطموح الذي يسعى البنك الدولي إلى تحقيقه، والمتمثل في مساندة البلدان على توفير خدمات صحية جيدة وميسورة التكلفة لنحو  1.5مليار شخص بحلول 2030.

ثانيا: حياة مزدهرة لكبار السن: مع تراجع معدّل الاستقرار الوظيفي، تُمكِّن الصحة الجيدة كبار السن من مواصلة العمل إذا رغبوا في ذلك. وهناك عديد من الإستراتيجيات التي يمكن أن تدعم كبار السن للحصول على فرص عمل والحفاظ عليها، أبرزها تقديم برامج تدريب مخصصة تتناسب مع احتياجاتهم وقدراتهم، وتعزيز خيارات العمل بدوام جزئي أو عن بُعد، وضمان توفير إجازات رعاية مدفوعة الأجر.

ثالثا : حياة كريمة لكبار السن: من الضروري توفير معاشات تقاعدية اجتماعية للحيلولة دون وقوع كبار السن في براثن الفقر، وتنفيذ برامج ادخار مخصصة للعاملين في القطاع غير الرسمي، وتعزيز أنظمة معاشات رسمية وعامة أقل تكلفة، وفي هذا الإطار، يشارك البنك الدولي في حوارات على مستوى عديد من القطاعات بشأن إصلاح السياسات في نحو 50 بلداً، ويعمل على تطوير أدوات تدعم تنفيذ برامج الرعاية طويلة الأجل، وخاصة تنظيم خدمات الرعاية الخاصة والإشراف عليها.

رابعا :تمثّل زيادة متوسط الأعمار إحدى أبرز قصص نجاح التنمية، ولا سيّما عند اقترانها بتطبيق السياسات الملائمة. واليوم، يتمثّل التحدي التالي في ضمان تمتّع كبار السن بصحة جيدة، وحصولهم على دخل كافٍ، وخدمات رعاية ومساندة ملائمة، وفي الوقت ذاته تهيئة الظروف الملائمة للشباب لتمكينهم من التخطيط السليم لاحتياجاتهم وتطلعاتهم المستقبلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي