المحتوى المحلي ودوره في تحقيق الأمن الإستراتيجي
من الممكن ولربما بين ساعة وأخرى، يتوقف الطيران، وتضطرب الحياة في منطقتنا ، وتتوقف سلاسل الإمداد، ونذكر أنفسنا بحقيقة مريرة: معظم احتياجاتنا تعتمد على الخارج.
الحمد لله أن الأزمات التي مررنا بها لم تطل، ولكنها كانت جرس إنذار قويًا يدعونا إلى إعادة النظر في إستراتيجيتنا الصناعية . فماذا لو تعطلت خطوط الإمداد لأشهر؟ ماذا لو شلت حركة الاستيراد بسبب أزمات سياسية أو كوارث طبيعية؟ السيناريو مرعب، لكنه ليس مستحيلًا. نجاحات مشرقة.. لكنها غير كافية، لا ننكر أن هناك تجارب ناجحة في تعزيز المحتوى المحلي، خاصة في القطاع الصناعي الصحي والقطاع الزراعي، حيث بدأنا نرى تمكينا قويا لها .
لكن النجاح ما زال محدودًا، لأن عديدا من هذه المشاريع تعتمد على استيراد المعدات وقطع الغيار، ما يجعلها عرضة لأي أزمة في سلاسل التوريد العالمية.
كما أن بعض المصانع المحلية نجحت لأن نظام هيئة المحتوى المحلي يمكن المصانع التي تبيع مباشرة للدولة أو إحدى الشركات المملوكة للدولة، بينما لا يخدم القطاع الصناعي المورد لتلك المصانع التي تورد للدولة مباشرة .
المحتوى المحلي الحقيقي، يجب أن لا يقتصر على تصنيع المنتجات النهائية فقط، بل يجب أن يمتد إلى تصنيع المدخلات الأساسية، بما في ذلك قطع الغيار والمكونات الصناعية. نحتاج إلى إستراتيجية طموحة تدفع المصانع المحلية إلى إنتاج ما تحتاجه المصانع الأخرى، بدلًا من استيراد كل شيء من الخارج.
هذا لن يحقق الاكتفاء الذاتي فحسب بل سيوفر فرص عمل أكبر ويخلق صناعات مساندة قوية. ووزارة الصناعة مطالبة اليوم بإعادة النظر في إستراتيجية المحتوى المحلي، ووضع أهداف أكثر جرأة، مثل: فرض شراء نسب تصنيع محلي للمصانع المستفيدة من ممكنات هيئة المحتوى المحلي في بعض الصناعات الحيوية، بناء إستراتيجة مطورة للإستراتيجية الصناعية المقرة تركز على بناء صناعة مكونات وقطع غيار كل مكائن الإنتاج المستوردة من الخارج، توفير التمويل بأفضلية، وقبل ذلك بناء بنك تفصيلي لمعلومات الاستيراد لقطع الغيار والمكونات الأخرى محليًا، العمل على صنع شراكات إستراتيجية بين الجامعات ومراكز الأبحاث والمصانع لتوطين التقنيات، ويجب ألا نغفل دور وزارة الاستثمار في التسويق عالميا لجذب المستثمرين للدخول في الاستثمار لمصانع قطع الغيار .
الأمن الاقتصادي أولوية والتجارب العالمية أثبتت أن الدول التي حققت اكتفاءً ذاتيًا في الصناعات الأساسية كانت أكثر قدرة على مواجهة الأزمات. نحن أمام فرصة تاريخية لتحويل التحديات إلى نقاط قوة، لكن ذلك يحتاج إلى إرادة سياسية ممكنة وهذا ما نعيشه اليوم في ظل قيادة ممكنة داعمة. فلنبدأ اليوم، قبل أن تأتي أزمة لا نستطيع تجاوزها.
يُعد المحتوى المحلي أجندة وطنية تسهم في تعزيز النمو المستدام للسعودية، وتشارك في تحقيقها مختلف شرائح الاقتصاد، من أفراد المجتمع والقطاعين العام والخاص. المحتوى المحلي ليس رفاهية، بل هو ضمانة لمستقبل آمن ومستقر. فلنصنعهُ بأيدينا، قبل أن يُفرض علينا واقعٌ لا نريده.